كتاب المنتقى شرح الموطإ (اسم الجزء: 4)

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ وَلَا تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ وَلَا تَبِيعُوا مِنْهَا شَيْئًا غَائِبًا بِنَاجِزٍ» ) .

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ قَيْسٍ الْمَكِّيِّ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ كُنْت مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَجَاءَهُ صَائِغٌ فَقَالَ لَهُ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إنِّي أَصُوغُ الذَّهَبَ ثُمَّ أَبِيعُ الشَّيْءَ مِنْ ذَلِكَ بِأَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ فَأَسْتَفْضِلُ مِنْ ذَلِكَ قَدْرَ عَمَلِ يَدِي فَنَهَاهُ عَبْدُ اللَّهِ عَنْ ذَلِكَ فَجَعَلَ الصَّائِغُ يُرَدِّدُ عَلَيْهِ الْمَسْأَلَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ يَنْهَاهُ حَتَّى انْتَهَى إلَى بَابِ الْمَسْجِدِ أَوْ إلَى دَابَّةٍ يُرِيدُ أَنْ يَرْكَبَهَا ثُمَّ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ لَا فَضْلَ بَيْنَهُمَا هَذَا عَهْدُ نَبِيِّنَا إلَيْنَا وَعَهْدُنَا إلَيْكُمْ)
ـــــــــــــــــــــــــــــQصَرْفٌ وَلَا بَدَلٌ وَإِنَّمَا هُوَ مَعْرُوفٌ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَلَا يَجُوزُ هَذَا فِي كَثِيرِ الذَّهَبِ الْعَشَرَةِ دَنَانِيرَ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّ مَا كَانَ هَذَا حُكْمَهُ مِنْ الْمَعْرُوفِ فَإِنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْيَسِيرِ دُونَ الْكَثِيرِ كَبَيْعِ الْعَرِيَّةِ.

(ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ» عَامٌّ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِهِ مِنْ التِّبْرِ وَالْمَسْكُوكِ وَالْمَصُوغِ وَالْجَيِّدِ وَالرَّدِيءِ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ» يَقْتَضِي الْمَنْعَ مِنْ يَسِيرِ الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّ الشُّفُوفَ إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِي يَسِيرِ الزِّيَادَةِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَلَا تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ» فَإِنَّهُ مَنَعَ النَّسَا فِيهَا وَالْعَقْدَ عَلَى غَائِبٍ حِينَ الْعَقْدِ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْغَائِبَ مَا غَابَ عَنْ الْعَقْدِ الْمَذْكُورِ وَفَائِدَةُ أَنَّ التَّقَابُضَ فِي الْعِوَضَيْنِ مِنْهُمَا شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا مُحَالٌ أَنْ يُشْتَرَطَ حُضُورُهُمَا الْعَقْدَ وَيُؤَخَّرَ قَبْضُهُمَا.

(ش) : مَنَعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ مِنْ بَيْعِ الْمَصُوغِ مِنْ الذَّهَبِ بِأَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ غَيْرَ مَصُوغٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ السَّعْدَيْنِ مِنْ مَنْعِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ بَيْعِ الْآنِيَةِ مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْوَرِقِ بِأَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهَا، وَمُرَاجَعَةُ الصَّائِغِ لَهُ فِي ذَلِكَ رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ جَوَابُهُ إنَّمَا صَدَرَ عَلَى ذَهَبَيْنِ غَيْرِ مَصُوغَيْنِ فَإِنَّ حُكْمَ الْمَصُوغِ أَحَدُهُمَا بِخِلَافِ ذَلِكَ، وَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ سَمِعَ فِي ذَلِكَ إبَاحَةً مِمَّنْ لَمْ يَعْتَمِدْ عَلَى قَوْلِهِ فَرَجَا أَنْ يَجِدَ مِثْلَ ذَلِكَ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَسُؤَالُهُ لَهُ فِي الطَّرِيقِ دَلِيلٌ عَلَى التَّوَاضُعِ مَعَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ كَانَتْ عِنْدَهُ مِنْ الْبَيَانِ بِحَيْثُ لَمْ يَحْتَجْ إلَى إعْمَالِ النَّظَرِ فِيهَا وَالتَّمَكُّنِ مِنْهَا لِيَذْكُرَ حُكْمَهَا.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ لَا فَضْلَ بَيْنَهُمَا يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ:
أَحَدُهُمَا أَنَّ هَذَا اسْمٌ لِهَذَا الْمِقْدَارِ مِنْ كُلِّ ذَهَبٍ وَوَرِقٍ مَصُوغًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَصُوغٍ وَلِذَلِكَ يُقَالُ فِي هَذَا الْإِنَاءِ مِائَةُ دِينَارٍ ذَهَبًا وَفِي هَذَا الْحُلِيِّ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَرِقًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مَضْرُوبًا فَيَكُونُ قَوْلُهُ الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ عَامٌّ فِي كُلِّ ذَهَبٍ وَوَرِقٍ مَصُوغَيْنِ كَانَا أَوْ غَيْرَ مَصُوغَيْنِ وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ الدِّينَارُ وَالدِّرْهَمُ اسْمًا لِلْمَضْرُوبِ دُونَ غَيْرِهِ وَلَكِنَّهُ قَاسَ الْمَصُوغَ عَلَيْهِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ.
1 -
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ يَقْتَضِي ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ الْمُبَايَعَةَ وَالْمُبَادَلَةَ وَالْقَضَاءَ فَأَمَّا الْمُبَايَعَةُ فَإِنَّهَا تَخْتَصُّ فِي الْأَغْلَبِ بِمُعَاوَضَةِ الْعُرُوضِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ وَالْعَرْضُ بِالْأَثْمَانِ، وَأَمَّا الْأَثْمَانُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ فَإِنَّ لَهَا اسْمًا أَخَصَّ وَإِنْ بِيعَ مِنْهَا شَيْءٌ بِغَيْرِ جِنْسِهِ فَاسْمُ الصَّرْفِ أَخَصُّ بِهِ وَإِنْ بِيعَ مِنْهَا شَيْءٌ بِجِنْسِهِ فَاسْمُ الْمُبَادَلَةِ وَالْمُرَاطَلَةِ أَخَصُّ بِهِ وَهُمَا يَخْتَلِفَانِ فِي الْمَعْنَى وَذَلِكَ أَنَّ الْمُرَاطَلَةَ تَكُونُ وَزْنًا وَالْمُبَادَلَةَ تَكُونُ عَدَدًا.
(مَسْأَلَةٌ) :
فَأَمَّا الْقَضَاءُ فَقَدْ تَكُونُ قَضَاءً عَنْ سَلَفٍ وَقَضَاءً عَنْ غَيْرِ سَلَفٍ فَإِنْ كَانَتْ عَنْ سَلَفٍ وَأَسْلَفَهُ ذَهَبًا عَدَدًا قَضَاهُ مِثْلَ عَدَدِهِ وَوَزْنِهِ كَانَ هَذَا مَعْنَى الدِّينَارِ بِالدِّينَارِ عَدَدًا وَوَزْنًا فَإِنْ قَضَاهُ مِثْلَ عَدَدِهِ أَوْ أَدْوَنَ أَوْ أَنْقَصَ جَازَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ عِبْرَةَ السَّلَفِ بِالْعَدَدِ، وَالنَّقْصُ فِي الْوَزْنِ صِفَةٌ مِنْ صِفَةِ الدِّينَارِ لَا اعْتِبَارَ لَهَا فِي الْكَثْرَةِ وَالْقِلَّةِ كَالْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ فَإِنْ قَضَاهُ أَقَلَّ مِنْ عَدَدِهِ فِي كُلِّ وَزْنِهِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ يَجُوزُ قَلِيلُهُ وَكَثِيرَةُ فِي قَضَاءِ السَّلَفِ وَإِنْ قَضَاهُ أَكْثَرَ مِنْ عَدَدِهِ فِي مِثْلِ

الصفحة 260