كتاب المنتقى شرح الموطإ (اسم الجزء: 4)

شَيْئًا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ وَإِنْ اسْتَنْظَرَك إلَى أَنْ يَلِجَ بَيْتَهُ فَلَا تَنْظُرْهُ إنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ الرَّمَاءَ وَالرَّمَاءُ هُوَ الرِّبَا) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَوْلُهُ وَلَا تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالذَّهَبِ أَحَدُهُمَا غَائِبٌ وَالْآخَرُ نَاجِزٌ مَنَعَ مِنْ تَأَخُّرِ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ فِي الصَّرْفِ عَنْ حَالِ النَّقْدِ وَذَلِكَ يَمْنَعُ الْأَجَلَ فِي الصَّرْفِ وَالْعَقْدِ عَلَى تَأْخِيرِ قَبْضِهِ؛ لِأَنَّ النَّاجِزَ هُوَ مَا نَجَزَ الْقَبْضُ فِيهِ حَالَ الْعَقْدِ وَالْغَائِبُ يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِهِ مَا غَابَ عَنْ الْمُشَاهَدَةِ حَالَ الْعَقْدِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ فِي كُمِّ الصَّيْرَفِيِّ أَوْفَى تَابُوتِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ مَا غَابَ عَنْ الْحُضُورِ وَقْتَ الْعَقْدِ وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ فِيهِ لِمُقَابَلَتِهِ بِالنَّاجِزِ وَلَوْ أَرَادَ الْمُشَاهَدَةَ لَقَالَ وَلَا تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِمُشَاهَدٍ.
وَقَدْ كَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يَعْقِدَ مَعَ الصَّيْرَفِيِّ عَلَى دِينَارٍ بِدَرَاهِمَ فَيَدْفَعُ إلَيْهِ الدِّينَارَ فَيَخْلِطُهُ بِذَهَبِهِ أَوْ فِي تَابُوتِهِ ثُمَّ يُخْرِجُ الدَّرَاهِمَ وَيَتْرُكُ الدِّينَارَ حَتَّى يُخْرِجَ الدَّرَاهِمَ وَيَحْضُرَ الْعَيْنَانِ فَهُوَ أَبْلَغُ فِي الْمُنَاجَزَةِ صُورَةً وَمَعْنًى؛ لِأَنَّ أَخْذَ الدِّينَارِ وَتَغْيِيبِهِ ثُمَّ إخْرَاجَ الدَّرَاهِمِ بَعْدَ ذَلِكَ لَيْسَ عَلَى صُورَةِ الْمُنَاجَزَةِ بَلْ هِيَ مِنْ أَفْعَالِ التَّأْخِيرِ وَصِفَةِ التَّبَايُعِ فِيمَا لَا يُرَاعَى فِيهِ التَّقَابُضُ وَالتَّنَاجُزُ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
فَإِنْ تَعَاقَدَا الصَّرْفَ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْهُمَا مَا عَقَدَ عَلَيْهِ ثُمَّ اسْتَسْلَفَ أَحَدُهُمَا دِينَارًا وَالْآخَرُ دَرَاهِمَ وَلَمْ يَفْتَرِقَا حَتَّى تَقَابَضَا لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْ عَقَدَ الصَّرْفَ عَلَى غَائِبٍ لَمْ يَكُنْ حَاضِرَ الصِّفَةِ فَيَعْقِدُ عَلَيْهِ وَلَا كَانَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ إمْكَانِ مَا يَقْبِضُهُ فَقَدْ دَخَلَ فِي الْعَقْدِ عَلَى غَيْرِ مَا يَقْتَضِيهِ وَيُصَحِّحُهُ مِنْ التَّنَاجُزِ وَالتَّقَابُضِ حَالَ الْعَقْدِ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
وَإِنْ أَخْرَجَ أَحَدُهُمَا الدِّينَارَ وَاسْتَسْلَفَ الْآخَرُ الدَّرَاهِمَ فَتَنَاقَدَا قَالَ أَشْهَبُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ كَانَ شَيْئًا قَرِيبًا كَحَلِّ الصُّرَّةِ وَلَا يَقُومُ لِذَلِكَ وَلَا يَفْتَرِقَانِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ عَقْدَ الصَّرْفِ قَدْ تَنَاوَلَ غَائِبًا وَالْفَسَادُ فِي أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ كَالْفَسَادِ فِيهِمَا فِي إبْطَالِ الْعَقْدِ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الَّذِي حَضَرَ عِوَضَهُ وَلَمْ يَحْتَجْ أَنْ يَسْتَسْلِفَ يَصِحُّ الْعَقْدُ مِنْ جِهَتِهِ؛ لِأَنَّهُ صَارِفٌ بِنَاجِزٍ وَعَقَدَ الصَّرْفَ عَلَى أَنَّ صَاحِبَهُ بِمَثَابَتِهِ فَهُوَ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ إنَّك أَرَدْت الِاسْتِسْلَافَ لَا فَسَادَ مَا انْعَقَدَ بَيْنَنَا مِنْ الصَّرْفِ عَلَى الصِّحَّةِ فَلَا أُصَدِّقُك كَمَا لَوْ أَسْلَفَهُ دَنَانِيرَ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ قَصَدَ الِانْتِفَاعَ.

(مَسْأَلَةٌ) :
إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ حُلُولَ مَا فِي الذِّمَّةِ يَقُومُ مَقَامَ حُضُورِ مَا هِيَ مَشْغُولَةٌ بِهِ وَالْقَبْضُ يَتَنَجَّزُ فِيهِ بِإِبْرَائِهَا مِنْهُ فَإِنْ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ دَرَاهِمُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ فِيهَا ذَهَبًا قَبْلَ الْأَجَلِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ التَّنَاجُزِ فِي الصَّرْفِ؛ لِأَنَّ تَأْجِيلَهَا يَقُومُ مَقَامَ تَأْخِيرِ الْقَبْضِ فِيهَا إلَى أَجَلِهَا وَلَا بَأْسَ إذَا حَلَّ أَجَلُهُمَا وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «كُنْت أَبِيعُ الْإِبِلَ بِالْبَقِيعِ بِالدَّنَانِيرِ وَآخُذُ الدَّرَاهِمَ فَذَكَرْت ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَا بَأْسَ أَنْ تَأْخُذَهَا بِسِعْرِ يَوْمِهَا مَا لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَكُمَا شَيْءٌ» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ حُلُولَ مَا فِي الذِّمَّةِ بِمَنْزِلَةِ حُضُورِهِ وَالْإِبْرَاءُ مِنْهُ يَقُومُ مَقَامَ الْقَبْضِ فِيهِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي الْجَوَازَ وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ دَنَانِيرُ وَلِآخَرَ عَلَيْهِ دَرَاهِمُ حَالَّةٌ جَازَ أَنْ يَتَطَارَحَاهَا صَرْفًا لِمَا ذَكَرْنَا.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
وَالْغَاصِبُ إذَا غَصَبَ دَنَانِيرَ ثُمَّ لَقِيَ صَاحِبَهَا وَقَالَ إنَّ ذَهَبَك فِي دَارِي فَصَارَفَهُ عَنْهَا بِدَرَاهِمَ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ جَوَازَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَا غُصِبَ مِنْ الذَّهَبِ مُتَعَلِّقٌ بِذِمَّتِهِ وَيَصِحُّ قَبْضُهُ لَهُ بِالْبَرَاءَةِ وَهَذَا الْقَوْلُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْغَصْبِ.
وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ أَنَّ هَذِهِ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
وَأَمَّا الْوَدِيعَةُ فَهَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ فِيهَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَجُوزُ وَرَوَى فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ جَائِزٌ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى فِي ذَلِكَ أَنَّ حَقَّ الْمُودِعِ مُتَعَلِّقٌ بِعَيْنِ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِذِمَّةِ غَيْرِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصَارِفَ بِهِ إلَّا عِنْدَ حُضُورِهِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ لَمَّا كَانَ لِلْمُودِعِ التَّصَرُّفُ فِيهَا بِالِاسْتِسْلَافِ وَمَالِكًا لِذَلِكَ لِكَوْنِهَا فِي يَدِهِ صَحَّ أَنْ يَعْتَقِدَ عِنْدَ الصَّرْفِ أَنَّهُ قَدْ اسْتَسْلَفَهَا فَتَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ ثُمَّ يُصَارِفُ فِيهَا وَيَجِبُ عَلَى هَذَا أَنْ لَا يَجُوزَ فِي الْحُلِيِّ قَوْلٌ وَاحِدٌ.

(مَسْأَلَةٌ) :
وَأَمَّا الرَّهْنُ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِيهِ وَقَالَ مَالِكٌ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ عَنْهُ

الصفحة 263