كتاب المنتقى شرح الموطإ (اسم الجزء: 4)

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ وَالصَّاعُ بِالصَّاعِ وَلَا يُبَاعُ كَالِئٌ بِنَاجِزٍ) .

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ قَطْعُ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ مِنْ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــQذَلِكَ جَائِزٌ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ تَعَلُّقِ حَقِّ الرَّاهِنِ بِعَيْنِ مَالِهِ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ تَعَلُّقُ الرَّهْنِ بِضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ وَيَجِيءُ عَلَى هَذَا التَّعْلِيلِ جَوَازُهُ فِي الْعَارِيَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
1 -
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ وَإِنْ اسْتَنْظَرَك إلَى أَنْ يَلِجَ بَيْتَهُ فَلَا تَنْظُرْهُ يُرِيدُ الْمَنْعَ مِنْ التَّفَرُّقِ قَبْلَ التَّنَاجُزِ بِالتَّقَابُضِ وَإِنْ قَرُبَ فَإِنْ تَأَخَّرَ قَبْضُ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ عَنْ وَقْتِ الصَّرْفِ بَطَلَ الْعَقْدُ فِيهِ هَذَا إذَا كَانَ مُقْتَضَى الْعَقْدِ فَإِنَّ الْعَقْدَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْفَسَادِ وَإِنْ عَرَا عَنْ ذَلِكَ الْعَقْدُ فَاخْتَارَا ذَلِكَ بَعْدَ تَمَامِ الْعَقْدِ طَرَأَ عَلَى الْعَقْدِ الْفَسَادُ لِعَدَمِ مَا هُوَ شَرْطٌ فِي صِحَّتِهِ وَتَمَامِهِ بِأَنْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ بِالتَّنَاجُزِ وَامْتَنَعَ مِنْهُ الْآخَرُ حَتَّى احْتَاجَا إلَى التَّفَرُّقِ وَالتَّحَاكُمِ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
وَالتَّأَخُّرُ الْيَسِيرُ مِنْ أَحَدِ عِوَضَيْ الصَّرْفِ يَقُومُ مَقَامَ تَأَخُّرِ جَمِيعِهِ فِي إبْطَالِ الْعَقْدِ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْعَقْدَ مَتَى بَطَلَ بَعْضُهُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى بَطَلَ جَمِيعُهُ وَذَلِكَ بِأَنْ تَجْمَعَ الصَّفْقَةُ حَلَالًا وَحَرَامًا فَإِنَّهُ يَبْطُلُ جَمِيعُهَا هَذَا الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَرَأَيْت لِزِيَادِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَنْدَلُسِيِّ رِوَايَةً عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ سَلَّمَ مِائَةَ دِينَارٍ فِي مِائَةِ إرْدَبٍّ حِنْطَةً فَقَضَى فِيهَا خَمْسِينَ وَأَخَذَ خَمْسِينَ أَنَّهُ يَصِحُّ مِنْهَا مَا قَضَى ثَمَنَهُ وَيَبْطُلُ مَا أَخَذَ ثَمَنَهُ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ إنَّمَا يَبْطُلُ مِنْ الصَّفْقَةِ مَا يَخُصُّ بِهِ الْفَسَادَ وَيَصِحُّ مِنْهَا مَا عَرَا عَنْ الْفَسَادِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ إنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ الرَّمَاءَ وَالرَّمَاءُ هُوَ الرِّبَا أَصْلُ الرِّبَا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الزِّيَادَةُ يُقَالُ أَرْبَيْت عَلَى كَذَا بِمَعْنَى زِدْت عَلَيْهِ فَمَعْنَى ذَلِكَ إنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ الزِّيَادَةَ فِي أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فِي الْعَيْنِ وَالزِّيَادَةُ هِيَ الرِّبَا الَّذِي نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] وَنَهَى عَنْهُ رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

(ش) : قَوْلُهُ الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ يُرِيدُ مُتَسَاوِيَيْنِ وَقَوْلُهُ الصَّاعُ بِالصَّاعِ يُرِيدُ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَلَا يُبَاعُ كَالِئٌ بِنَاجِزٍ يُرِيدُ مُؤَخَّرًا بِمُعَجَّلٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ مِنْ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ وَالْجِنْسَيْنِ إذَا جَمَعَهُمَا عِلَّةٌ وَاحِدَةٌ فِي الرِّبَا وَهَذَا الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَجَوَّزَ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنِ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ لَا رِبَا إلَّا فِي ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ بِمَا يُؤْكَلُ أَوْ يُشْرَبُ) .
(ش) : قَوْلُهُ لَا رِبَا إلَّا فِي ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ يَقْتَضِي أَنَّ عِلَّةَ الرِّبَا فِيهِمَا عِنْدَهُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهَا أُصُولُ الْأَثْمَانِ وَقِيَمُ الْمُتْلَفَاتِ وَقَوْلُهُ أَوْ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ مِمَّا يُؤْكَلُ أَوْ يُشْرَبُ يَقْتَضِي أَنَّ عِلَّةَ الرِّبَا عِنْدَهُ فِي الْمَطْعُومِ أَنَّهُ مَطْعُومٌ مَكِيلٌ أَوْ مَوْزُونٌ فَعَلَى هَذَا يَثْبُتُ الرِّبَا عِنْدَهُ فِي الْخُضَرِ الْمَوْزُونَةِ وَالْفَوَاكِهِ الرَّطْبَةِ الْمَكِيلَةِ فَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ.

(ش) : قَوْلُهُ إنَّ قَطْعَ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ مِنْ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ يُرِيدُ قَطْعَ الدَّنَانِيرِ الصِّحَاحِ وَالدَّرَاهِمِ الصِّحَاحِ مِنْ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ وَذَلِكَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَقْطَعَهَا لِيَبِيعَهَا مُقَطَّعَةً فَإِنَّهُ مِنْ الْفَسَادِ؛ لِأَنَّهُ يَتَسَبَّبُ إلَى إدْخَالِ الْغِشِّ فِي الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ؛ لِأَنَّهُ إذَا قُطِعَتْ صِغَارًا أَدْخَلَ بَيْنَهَا الْمَغْشُوشَ وَتَسَامَحَ النَّاسُ بِإِنْفَاقِ الْيَسِيرِ مِنْهُ فِي الْجُمْلَةِ وَخَفِيَ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ تَمْيِيزُهُ مِنْ غَيْرِهِ وَالضَّرْبُ الثَّانِي قَرْضُهَا فِي الْبَلَدِ الَّذِي يَجْرِي فِيهِ عَدَدًا لِمُنْفِقِهَا عَدَدًا فَتَبْقَى عِنْدَهُ مَا قَدْ قَرَضَ مِنْهَا حَبَّةً مِنْ كُلِّ مِثْقَالٍ فَيَسْتَعْضِلُ ذَلِكَ فَهَذَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْغِشِّ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الَّذِي يَأْخُذُ مِنْهُ إنَّمَا يَأْخُذُهُ عَلَى أَنَّهُ وَازِنٌ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَغُشَّ بِنَقْصِهِ أَوْ يَغُشَّ بِإِدْخَالِ الدَّاخِلِ فِي جَوْدَتِهِ.
وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ يُؤَدَّبُ كَاسِرُ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ} [هود: 87]

الصفحة 264