كتاب المنتقى شرح الموطإ (اسم الجزء: 4)

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ وَالْفِضَّةَ بِالذَّهَبِ جُزَافًا إذَا كَانَ تِبْرًا أَوْ حُلِيًّا قَدْ صِيغَ فَأَمَّا الدَّرَاهِمُ الْمَعْدُودَةُ وَالدَّنَانِيرُ الْمَعْدُودَةُ فَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَشْتَرِيَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ جُزَافًا حَتَّى يَعْلَمَ وَيَعُدَّ فَإِنْ اشْتَرَى ذَلِكَ جُزَافًا فَإِنَّمَا يُرَادُ بِهِ الْغَرَرُ حِينَ يَتْرُكَ عَدَدَهُ وَيَشْتَرِيَ جُزَافًا وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بُيُوعِ الْمُسْلِمِينَ فَأَمَّا مَا كَانَ يُوزَنُ مِنْ التِّبْرِ وَالْحُلِيِّ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُبَاعَ ذَلِكَ جُزَافًا وَإِنَّمَا ابْتِيَاعُ ذَلِكَ جُزَافًا كَهَيْئَةِ الْحِنْطَةِ وَالتَّمْرِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ الْأَطْعِمَةِ الَّتِي تُبَاعُ جُزَافًا وَمِثْلُهَا يُكَالُ فَلَيْسَ بِابْتِيَاعِ ذَلِكَ جُزَافًا بَأْسٌ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهَذَا الْقَوْلُ مَبْنِيٌّ عَلَى مُرَاعَاةِ مِقْدَارِ الدِّرْهَمِ مِنْ الدِّينَارِ يَوْمَ الْعَقْدِ.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَجْهَيْنِ آخَرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ نَقْدًا وَلَا يَجُوزُ إلَى أَجَلٍ وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ نَقْدًا وَلَا إلَى أَجَلٍ فَأَمَّا مَنْعُهُ بِالْأَجَلِ فَإِنَّهُمَا إنْ قَوَّمَا الدَّرَاهِمَ بِالذَّهَبِ حِينَ الْعَقْدِ دَخَلَهُ مِنْ الْفَسَادِ مَا تَقَدَّمَ بِمَا احْتَجَّ بِهِ لِرِوَايَةِ أَشْهَبَ وَإِنْ أَخَّرَا ذَلِكَ دَخَلَهُ مِنْ الْفَسَادِ مَا احْتَجَّ بِهِ ابْنُ الْمَوَّازِ وَوَجْهُ مَنْعِ ذَلِكَ فِي النَّقْدِ أَيْضًا مَا يَدْخُلُهُ مِنْ الْبَيْعِ وَالصَّرْفِ فِي الْكَثِيرِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ إذَا كَثُرَتْ كَثُرَ قَدْرُهَا مِنْ الدِّينَارِ وَاخْتَلَفَ ذَلِكَ إلَى الْأَجَلِ فَاخْتِلَافُ أَسْوَاقِهَا مُؤَثِّرٌ فِي قَدْرِ النَّاقِصِ مِنْ الدِّينَارِ جَهَالَةً.
1 -
(فَرْعٌ) وَلَوْ بَاعَهُ ثَوْبًا بِخَمْسَةِ دَنَانِيرَ إلَّا دِرْهَمًا فَدَفَعَ إلَيْهِ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ وَأَخَّرَهُ حَتَّى يَدْفَعَ إلَيْهِ دِينَارًا وَيَأْخُذَ مِنْهُ دِرْهَمًا أَوْ دَفَعَ إلَيْهِ دِينَارًا وَأَخَذَ مِنْهُ دِرْهَمًا وَاحِدًا بِأَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ حَتَّى يُقْبِضَهُ إيَّاهَا لَمْ يَجُزْ وَلَوْ بَاعَهُ سِلْعَةً بِخَمْسَةِ دَنَانِيرَ إلَّا رُبْعَ دِينَارٍ أَوْ سُدُسَ دِينَارٍ فَنَقَدَهُ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ حَتَّى يَأْتِيَهُ بِالرُّبْعِ دِينَارٍ وَيَدْفَعَ إلَيْهِ الدِّينَارَ أَوْ دَفَعَ إلَيْهِ الدِّينَارَ وَقَبَضَ مِنْهُ رُبْعَ دِينَارٍ وَبَقِيَتْ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ إنَّهُ يَجُوزُ.
(فَرْقٌ) وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ أَنَّهُ إذَا بَاعَهُ بِخَمْسَةِ دَنَانِيرَ إلَّا دِرْهَمًا فَإِنَّ نَقْصَ الدِّينَارِ الْخَامِسِ إنَّمَا يَتَقَدَّرُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ وَبِهِ يَتَحَقَّقُ دُونَ جِنْسِ الدِّينَارِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ رَامَا تَقْدِيرَهُ بِجِنْسِ الدِّينَارِ لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ تَقْوِيمٍ وَيَدْخُلُهُ النَّقْصُ وَالزِّيَادَةُ وَالتَّجَاوُزُ فَلَزِمَ بِذَلِكَ دَفْعُ الدَّرَاهِمِ وَقَبْضُ الدِّينَارِ فَأَشْبَهَ الْعِوَضَ وَوَجَبَ أَنْ يُرَاعَى فِيهِ مَا يُرَاعَى فِي الصَّرْفِ إذَا ثَبَتَ لِلْعَقْدِ حُكْمُ الصَّرْفِ وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ لَهُ حَقِيقَةُ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ الْجِنْسِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَ بَعْضِ أَصْحَابِنَا الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ وَإِذَا قُلْنَا بِجَوَازِهِ عَلَى مَشْهُورِ قَوْلُ الْجُمْهُورِ مِنْ أَصْحَابِنَا فَإِنَّهُ لَا يَنْقُصُ بِهِ عَدَدُ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَإِنَّمَا يَرْجِعُ إلَى أَنَّ لَهُ حُكْمًا، وَأَمَّا إذَا بَاعَهُ الثَّوْبَ بِخَمْسَةِ دَنَانِيرَ غَيْرَ رُبْعِ دِينَارٍ فَإِنَّمَا يَتَقَدَّرُ النَّقْصُ مِنْ الدِّينَارِ الْخَامِسِ بِجِنْسِهِ فَلَا يَلْزَمُ بَائِعَ الثَّوْبِ دَفْعُ رُبْعِ الدِّينَارِ وَلَا يَحْتَاجُ فِي تَحْقِيقِ النَّقْصِ بِهِ إلَى تَقْوِيمٍ فَلَمْ يَكُنْ لِلرُّبْعِ الَّذِي يَنْقُصُ مِنْ الدِّينَارِ حُكْمُ الْعِوَضِ وَلَا لَهُ تَعَلُّقٌ بِهِ وَإِنَّمَا لَهُ حُكْمُ الْمُسْتَثْنَى بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَالَ بِعْتُك هَذَا الثَّوْبَ بِخَمْسَةِ دَنَانِيرَ إلَّا دِينَارًا فَدَفَعَ إلَيْهِ ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ وَأَخَذَ دِينَارًا فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ جُزَافًا وَإِنْ كَانَ يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ تِبْرُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ جُزَافًا.
وَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا الْمُتَأَخِّرُونَ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ إنْ كَانَ مَعْدُودًا مِمَّا لَهُ قَدْرٌ وَقِيمَةٌ كَثِيرَةٌ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ فِيهِ الْجُزَافُ كَالْحَيَوَانِ وَالثِّيَابِ وَإِنَّمَا يَجُوزُ الْجُزَافُ مِنْ ذَلِكَ فِيمَا لَا قَدْرَ لَهُ كَالْقِثَّاءِ وَالْجَوْزِ وَالْبِطِّيخِ وَصِغَارِ الْحِيتَانِ وَمَا قَالَهُ يُنْتَقَضُ بِصُبَرِ الْحِنْطَةِ وَجُزَافِ التِّبْرِ وَالْحُلِيِّ وَالْمِسْكِ وَأَيْضًا فَإِنَّ الدَّرَاهِمَ لَيْسَتْ بِمَعْدُودَةٍ وَإِنَّمَا هِيَ مَوْزُونَةٌ وَذَهَبَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ وَعِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا إلَى أَنَّ ذَلِكَ عَلَى الْكَرَاهِيَةِ وَتَحْتَاجُ الْكَرَاهَةُ إلَى دَلِيلٍ كَمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ التَّحْرِيمُ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ هُوَ عَلَى التَّحْرِيمِ وَعَلَّلَا ذَلِكَ بِأَنَّ هَذَا بِحَيْثُ يَحْرُمُ الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ عَدَدًا فَيَرْغَبُ فِي الْخِفَافِ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِي الْمِائَةِ بِالْوَزْنِ مِنْهَا مِائَةٌ وَعَشَرَةٌ عَدَدًا وَتُنْفَقُ مُفْرَدَةً فَتَجُوزُ بِجَوَازِ الْوَازِنَةِ وَيُنْفَقُ مِنْهَا الْوَاحِدُ فِي

الصفحة 267