كتاب المنتقى شرح الموطإ (اسم الجزء: 4)

لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَك)
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَوْلُهُ فِي رَجُلٍ أَرَادَ أَنْ يَبْتَاعَ طَعَامًا مِنْ رَجُلٍ إلَى أَجَلٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ وَصَفَ لَهُ طَعَامًا ظَنَّ الْمُبْتَاعُ أَنَّهُ عِنْدَهُ أَوْ أَرَاهُ طَعَامًا ظَنَّ أَنَّهُ عِنْدَهُ أَوْ قَالَ لَهُ فِي الْجُمْلَةِ أَنَا أَبِيعُ مِنْك طَعَامًا فَاعْتَقَدَ الْمُبْتَاعُ أَنَّهُ عِنْدَهُ وَظَنَّ هُوَ أَنْ يَبِيعَ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ فَذَلِكَ جَائِزٌ وَلَوْ عَلِمَ الْمُبْتَاعُ أَوَّلًا أَنَّهُ يَبِيعُهُ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ لَأَنْكَرَ عَلَيْهِ كَمَا أَنْكَرَهُ حِينَ تَبَيَّنَ لَهُ ذَلِكَ، وَأَمَّا إذَا أَرَاهُ عَيْنَ طَعَامٍ فَبَاعَهُ قَدْرًا مِنْهُ وَالْمُبْتَاعُ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ عِنْدَهُ فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ سَحْنُونٌ مِنْ سُؤَالِ حَبِيبٍ فِيمَنْ عَرَضَ قَمْحًا أَوْ زَيْتًا فِي يَدِهِ مِنْهُ فَجَاوَبَهُ رَجُلٌ مِنْهُ عَلَى أَقْفِزَةٍ مَعْلُومَةٍ ثُمَّ قَالَ مَا عِنْدِي مِنْهُ شَيْءٌ أَوْ هُوَ لِغَيْرِي وَأَبَى أَنْ يَبِيعَ فَقَالَ إنْ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ لَا شَيْءَ عِنْدَهُ مِنْهُ وَأَنَّهُ لِغَيْرِهِ أَوَّلًا لَزِمَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْأَقْفِزَةِ الَّتِي بَاعَ مِنْهُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ بَيْعَهُ مِنْهُ لِقَدْرٍ مَعْلُومٍ إقْرَارٌ مِنْهُ بِأَنَّهُ يَمْلِكُهُ وَيَقْدِرُ عَلَى الْإِتْيَانِ بِهِ وَقَدْ اُسْتُحِقَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ بِالِابْتِيَاعِ مِنْهُ فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْبَيْعِ لَازِمٌ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ مِنْ عَدَمِ مِلْكِهِ لَهُ مَا فِيهِ بَرَاءَةٌ لَهُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ فَذَهَبَ بِهِ الرَّجُلُ إلَى السُّوقِ فَجَعَلَ يُرِيهِ الصُّبَرَ لِيَبْتَاعَ لَهُ مِنْ أَيُّهَا يُحِبُّ فَتَبَيَّنَ لِلْمُبْتَاعِ بِذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا بَاعَ مِنْهُ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ وَلَوْ كَانَ لَهُ لَمَا احْتَاجَ أَنْ يَبْتَاعَهُ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَقَالَ أَتَبِيعُنِي مَا لَيْسَ عِنْدَك وَذَلِكَ أَنَّ بَيْعَ مَا لَيْسَ عِنْدَ الرَّجُلِ عَلَى وَجْهِ الْبَيْعِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ عَلَى ضَرْبَيْنِ مُعَيَّنٌ وَهُوَ الَّذِي يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمِ الْمَبِيعِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا كَالثَّوْبِ أَوْ الدَّابَّةِ أَوْ الْعَبْدِ أَوْ مُعَيَّنًا بِالْجُمْلَةِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ قَفِيزًا مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ، وَأَمَّا مَا كَانَ فِي الذِّمَّةِ فَاسْمُ السَّلَمِ أَخَصُّ بِهِ فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا وَلَا حَالًّا وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ وَيَتَعَلَّقُ الْمَنْعُ بِبَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ بِالْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا فَأَمَّا فِي السَّلَمِ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ عَنْ حُكْمِ السَّلَمِ وَيَدْخُلُهُ الْمَنْعُ إذَا كَانَ مُعَجَّلًا أَوْ كَانَ مُعَيَّنًا لَيْسَ عِنْدَهُ.
وَأَمَّا الْبَيْعُ فَإِنَّهُ أَيْضًا مَمْنُوعٌ مِنْ تَعَلُّقِهِ بِمَا لَيْسَ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّنَا قَدْ قُلْنَا إنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا وَيَكُونَ فِي مِلْكِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ وَكَانَ مُعَيَّنًا لَمْ يَصِحَّ لِمَا فِيهِ مِنْ الْغَرَرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ تَخْلِيصُهُ وَإِذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى تَخْلِيصِهِ لَمْ يُمْكِنْهُ تَسْلِيمُهُ وَمَا لَا يُمْكِنْ تَسْلِيمُهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَلِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ بَيْعُ الْعَبْدِ الْآبِقِ وَالْجَمَلِ الشَّارِدِ وَالطَّائِرِ فِي الْهَوَاءِ وَالسَّمَكِ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَنَا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ عَنْ يُوسُفَ بْنَ مَاهَكَ «عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالَ سَأَلْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ يَأْتِي الرَّجُلُ يَسْأَلُنِي الْبَيْعَ لَيْسَ عِنْدِي فَأَبِيعُهُ مِنْهُ ثُمَّ أَبْتَاعَهُ مِنْ السُّوقِ قَالَ لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَك» وَهَذَا عِنْدِي أَشْبَهُ إسْنَادًا وَرَدَ مَوْصُولًا لِهَذَا الْمَتْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَأَمَّا مَا عِنْدَهُ فَإِنَّهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ غَائِبًا وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ حَاضِرًا فَأَمَّا الْعَيْنُ الْغَائِبَةُ فَقَدْ تَنْعَقِدُ الْمُعَاوَضَةُ فِيهَا عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا عَلَى وَجْهِ الْمُغَابَنَةِ وَالْمُكَايَسَةِ وَالثَّانِي عَلَى وَجْهِ الْمُكَارَمَةِ وَالتَّفَضُّلِ فَأَمَّا مَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْمُغَابَنَةِ وَالْمُكَايَسَةِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ ذَلِكَ إلَّا بِصِفَتِهَا أَوْ بِرُؤْيَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ فِيهَا فَإِنْ كَانَ بِالصِّفَةِ الْمُسْتَوْعِبَةِ لِمَعَانِيهَا جَازَ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْمَبِيعَاتِ وَيَجِيءُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ الَّذِي يَقُولُ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي تُرَابِ الْمَعَادِنِ أَنْ لَا يَجُوزَ بَيْعُهُ بِالصِّفَةِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ لَا يُحَاطُ بِصِفَتِهِ وَمَنَعَ الشَّافِعِيُّ بَيْعَهُ بِالصِّفَةِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ عِنْدَ ذِكْرِ بَيْعِ الْبَرْنَامَجِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَإِذَا قُلْنَا إنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ عَلَى الصِّفَةِ فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ إنَّ الَّذِي يُحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ كُلُّ صِفَةٍ مَقْصُودَةٍ تَخْتَلِفُ الْأَغْرَاضُ بِاخْتِلَافِهَا وَتَتَفَاوَتُ الْأَثْمَانُ بِوُجُودِهَا وَعَدَمِهَا وَلَا يَكْفِي فِي ذَلِكَ ذِكْرُ الْجِنْسِ وَالْعَيْنِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْمُلَامَسَةِ لَا يَعْرَى مِنْ رُؤْيَةِ الْعَيْنِ وَمَعْرِفَةِ الْجِنْسِ وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَأَمَّا الرُّؤْيَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ إنْ كَانَتْ تَقَدَّمَتْ رُؤْيَتُهُ لَهَا بِأَمَدٍ قَرِيبٍ فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَإِنْ كَانَتْ بِأَمَدٍ بَعِيدٍ يُعْلِمُ أَنَّ تِلْكَ السِّلْعَةَ أَوْ

الصفحة 286