كتاب المنتقى شرح الموطإ (اسم الجزء: 4)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهَلْ يُفْسِدُ الْعَقْدَ تَرْكُ ذَلِكَ أَمْ لَا وَذَلِكَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ السَّلَمُ حَيْثُ يَحْصُلُ الطَّعَامُ فَيَفْسُدُ السَّلَمُ؛ لِأَنَّ فِي مَوْضِعِ مَحْصَدِهِ يَكُونُ الْجَيِّدُ وَالرَّدِيءُ فَيَخْتَلِفُ بِذَلِكَ الثَّمَنُ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِ وَإِذَا كَانَ مَوْضِعُ الْعَقْدِ يُجْلَبُ إلَيْهِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا يُفْسَخُ وَقَالَ سَائِرُ أَصْحَابِنَا إنَّهُ يُفْسَخُ عَلَى الْإِطْلَاقِ مَتَى لَمْ يَصِفْهُ بِالْجَوْدَةِ وَوَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّ غَالِبَ أَمْرِ الطَّعَامِ تَسَاوِيهِ حَيْثُ يُجْلَبُ إلَيْهِ فِي السُّفُنِ كَالْحِجَازِ وَجَدَّةَ؛ لِأَنَّهُ يُخْلَطُ فِي السُّفُنِ وَيَتَسَاوَى فَلَا يُفْسِدُ السَّلَمَ تَرْكُ ذِكْرِ الْجَوْدَةِ؛ لِأَنَّ غَالِبَهُ مُتَسَاوٍ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ طَعَامَ السُّفُنِ يَخْتَلِفُ فَيَكُونُ بَعْضُهُ أَفْضَلَ مِنْ بَعْضٍ وَيَكُونُ مِنْ طَعَامِ الْحِجَازِ وَجُدَّةَ مَا يُجْلَبُ فِي الْفُقَاعِ فَيَكُونُ أَفْضَلَ مِنْ الطَّيِّبِ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْجَوْدَةِ.
(فَرْعٌ) وَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ فَمَا الَّذِي يَجِبُ عَلَى الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ مِنْ الْقَمْحِ مَعَ إطْلَاقِ الصِّفَةِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يَلْزَمُهُ الْوَسَطُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَا جَازَ فِيهِ إطْلَاقُ الصِّفَةِ رَجَعَ مِنْهُ إلَى غَالِبِهِ أَوْ وَسَطِهِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ غَالِبٌ رَجَعَ مِنْهُ إلَى الْوَسَطِ وَكَانَ يَجِبُ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ حَبِيبٍ إنْ كَانَ لَهُ غَالِبٌ أَنْ يَلْزَمَ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَالِبٌ أَنْ لَا يَصِحَّ السَّلَمُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَيُجْزِئُهُ مِنْ الصِّفَةِ بِالْجَوْدَةِ أَنْ يَقُولَ جَيِّدًا وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَقُولَ غَايَةً فِي الْجَوْدَةِ قَالَهُ أَصْبَغُ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا لَمْ يَخْتَلِفُوا فِيهِ إلَّا مَا قَالَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْعَطَّارِ مِنْ أَهْلِ بَلَدِنَا أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ مِنْ الصِّفَةِ بِالْجَوْدَةِ أَنْ يَقُولَ جَيِّدًا حَتَّى يَقُولَ غَايَةَ الْجَوْدَةِ وَأَنَّهُ مَتَى لَمْ يَصِفْهُ بِالْغَايَةِ بَطَلَ السَّلَمُ وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ صِفَةَ السَّلَمِ لَا تَبْلُغُ مِنْ مَعْرِفَةِ الْمَوْصُوفِ مَبْلَغَ الرُّؤْيَةِ لَهُ وَإِنَّمَا يَبْلُغُ بِهِ مُعْظَمَ مَقَاصِدِهِ وَيُجْزِئُ فِي صِفَاتِ الرَّقِيقِ أَنْ يَقُولَ طَوِيلًا أَوْ قَصِيرًا وَلَا يَلْزَمُ غَايَةَ الطُّولِ فَإِنْ وَصَفَهُ بِسَوَادِ الْعَيْنِ فَلَا يَلْزَمُ غَايَةَ السَّوَادِ وَإِنْ وَصَفَ الثَّوْبَ بِالرِّقَّةِ فَلَا يَلْزَمُ غَايَةَ الرِّقَّةِ وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ هَذَا يَبْطُلُ بِالْمُتَوَسِّطِ فَإِنَّهُ لَا يَعْرِفُ غَايَتَهُ وَلَا يُقَالُ غَايَةَ التَّوَسُّطِ وَوَجْهٌ ثَالِثٌ أَنَّ مَا قَالَهُ أَقْرَبُ إلَى الْفَسَادِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُرِيدُ بِغَايَةِ الطِّيبِ مَا لَا يُوجَدُ أَطْيَبُ مِنْهُ فَهَذَا يَتَعَذَّرُ وُجُودُهُ وَلَا يَكَادُ الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى تَخْلِيصِهِ وَذَلِكَ يَمْنَعُ صِحَّةَ السَّلَمِ فِيهِ وَإِنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ غَايَةٌ فِي الطِّيبِ وَأَنَّهُ يُوجَدُ مِثْلُهُ وَأَفْضَلُ مِنْهُ مِمَّا يُوصَفُ بِغَايَةِ الطِّيبِ لَزِمَهُ فِي الِاخْتِلَافِ فِيهِ مَا يَلْزَمُ فِي وَصْفِهِ الطِّيبُ.
(فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا إنَّهُ يُجْزِئُ وَصْفُهُ بِجَيِّدٍ وَوَسَطٍ وَرَدِيءٍ دُونَ ذِكْرِ الْغَايَةِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَابْنُ الْمَوَّازِ لَهُ الْعَامُّ مِنْ الْجَيِّدِ وَلَيْسَ لَهُ الْخَاصُّ وَقَدْ يَكُونُ مِنْ الْجَيِّدِ خَاصٌّ بَالِغٌ فِي الْجَوْدَةِ وَالطِّيبِ فَلَا يُحْمَلُ عَلَى ذَلِكَ إلَّا لِمَنْ شَرَطَهُ وَالصَّوَابُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ مَا دَفَعَهُ الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ مِمَّا يَقَعُ عَلَيْهِ صِفَةُ السَّلَمِ لَزِمَ الْمُسَلِّمَ قَبْضُهُ فَإِذَا أَسْلَمَ إلَيْهِ فِي جَيِّدٍ وَأَتَى بِمَا يَقَعُ عَلَيْهِ ذَلِكَ الِاسْمُ لَزِمَهُ قَبْضُهُ وَكَذَلِكَ الْوَسَطُ وَالرَّدِيءُ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ عَيْبٌ مِنْ غَيْرِ الْخِلْقَةِ الْمُعْتَادَةِ مِنْهُ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَتَصِفُهُ بِالنَّقَاءِ وَالْغَلْثِ أَوْ التَّوَسُّطِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَلْزَمُ الْقَمْحَ وَيَخْتَلِفُ ثَمَنُهُ بِاخْتِلَافِهِ فَإِنْ أَخَلَّ بِذَلِكَ.
وَقَدْ ذَكَرَ الْجَوْدَةَ أَوْ التَّوَسُّطَ أَوْ الرَّدَاءَةَ فَهَلْ يَبْطُلُ السَّلَمُ أَمْ لَا؟ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا يَبْطُلُ السَّلَمُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْغَلْثَ عَيْبٌ فَلَا يَلْزَمُ ذِكْرُ السَّلَامَةِ مِنْهُ كَسَائِرِ الْعُيُوبِ وَإِنَّمَا اُسْتُحِبَّ ذِكْرُهُ؛ لِأَنَّ الْغَلْثَ لَا يَكَادُ أَنْ يَخْلُوَ طَعَامٌ مِنْهُ.
1 -
(فَصْلٌ) :
وَيَجُوزُ السَّلَمُ فِي التَّمْرِ وَالرُّطَبِ فَإِنْ كَانَ بِبَلَدٍ لَا تَخْتَلِفُ أَنْوَاعُهُ فِيهِ وَوُصِفَ بِالْجَوْدَةِ أَوْ التَّوَسُّطِ أَوْ الرَّدَاءَةِ فَعَلَى حَسَبِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي الْحِنْطَةِ وَيَدْخُلُهُ مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ مَا يَدْخُلُ فِي الْحِنْطَةِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ وَصْفُهُ بِالنَّقَاءِ؛ لِأَنَّ التَّمْرَ لَا غَلْثَ فِيهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ وَصْفُهُ بِالسَّلَامَةِ مِنْ الْحَشْفِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَيْبٌ فِيهِ وَيَسْلَمُ أَكْثَرُ التَّمْرِ مِنْهُ وَيَلْزَمُ إلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَ غَيْرَ الْحَشْفِ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ الِاسْمِ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ إلَّا الْيَسِيرَ الَّذِي لَا يَسْتَبِدُّ التَّمْرُ مِنْهُ فِي الْأَغْلَبِ.
(مَسْأَلَةٌ) :
فَإِنْ كَانَ بِبَلَدٍ تَخْتَلِفُ أَنْوَاعُهُ مِنْهُ فَإِنَّ وَصْفَهُ بِالنَّوْعِ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ السَّلَمِ وَهَذَا حُكْمُ الزَّبِيبِ وَالْفُولِ وَالْحِمَّصِ وَسَائِرِ

الصفحة 295