كتاب المنتقى شرح الموطإ (اسم الجزء: 4)

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَلِيم الزُّرَقِيِّ أَنَّهُ سَأَلَ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَةً إنْ هُوَ تَزَوَّجَهَا قَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ: إنَّ رَجُلًا جَعَلَ امْرَأَةً عَلَيْهِ كَظَهْرِ أُمِّهِ إنْ هُوَ تَزَوَّجَهَا فَأَمَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إنْ هُوَ تَزَوَّجَهَا أَنْ لَا يَقْرَبَهَا حَتَّى يُكَفِّرَ كَفَّارَةَ الْمُتَظَاهِرِ) .

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ عَنْ رَجُلٍ تَظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَنْكِحَهَا فَقَالَا: إنْ نَكَحَهَا فَلَا يَمَسَّهَا حَتَّى يُكَفِّرَ كَفَّارَةَ الْمُتَظَاهِرِ) .

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ تَظَاهَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ لَهُ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ مِثْلُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالظِّهَارُ كَالْمَالِكِ لِأَمْرِهِ.

(مَسْأَلَةٌ) :
وَأَمَّا الذِّمِّيُّ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ ظِهَارُهُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ كُلَّ مَنْ لَا يَصِحُّ طَلَاقُهُ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ ظِهَارُهُ كَالْمَجْنُونِ، وَالصَّغِيرِ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
وَأَمَّا الْخَصِيُّ، وَالْمَجْبُوبُ، وَالْعِنِّينُ، وَالشَّيْخُ الْفَانِي فَقَدْ رَوَى ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ لَا يَلْزَمُهُمْ ظِهَارٌ وَلَا إيلَاءٌ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْجِمَاعِ مَعْنَاهُ وَلَا يَرْجُوهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعِنْدِي أَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الظِّهَارَ لَا يُحَرِّمُ الِاسْتِمْتَاعَ بِغَيْرِ الْوَطْءِ، وَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ، فَإِنْ قُلْنَا: إنَّ الظِّهَارَ يُحَرِّمُ الِاسْتِمْتَاعَ كَمَا يُحَرِّمُ الْوَطْءَ، وَهُوَ مُمْكِنٌ مِنْ جَمِيعِهِمْ وَجَبَ أَنْ يَلْزَمَهُمْ الظِّهَارُ، وَإِذَا قُلْنَا: إنَّهُ لَيْسَ بِمُحَرِّمٍ لِنَفْسِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ مَمْنُوعٌ لِئَلَّا يَكُونَ دَاعِيَةً إلَى الْجِمَاعِ فَلَا يَصِحُّ الظِّهَارُ مِنْ الْمَجْبُوبِ وَلَا الْخَصِيِّ وَلَا الْعِنِّينِ؛ لِأَنَّ الْجِمَاعَ لَا يَتَأَتَّى مِنْهُمْ، وَأَمَّا الْإِيلَاءُ، فَإِنَّمَا يُسْقِطُ عَنْهُمْ حُكْمَ التَّوْقِيفِ لِلْفَيْئَةِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ عَلَيْهَا وَلَا يُمْكِنُهُمْ فِعْلُهَا وَلَا تَرْكُهَا يُبَيِّنُ هَذَا أَنَّ الشَّيْخَ الْفَانِيَ لَوْ تَحَامَلَ وَجَامَعَ لَحَنِثَ فِي إيلَائِهِ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
فَأَمَّا السَّكْرَانُ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الظِّهَارُ حَكَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ: لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ فَكَذَلِكَ الظِّهَارُ عِنْدِي قَالَ وَلَا يَلْزَمُ الْمُعْتَدَّةَ وَلَا الصَّبِيَّ ظِهَارٌ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ لَا يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ وَكَذَلِكَ الْمُكْرَهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الَّذِي يُفِيقُ مِنْ سُكْرِهِ فَتَقُولُ لَهُ امْرَأَتُهُ: تَظَاهَرْت مِنِّي حَالَ سُكْرِك فَيَقُولُ لَا عِلْمَ لِي بِذَلِكَ لَا يُقَرُّ بِهَا حَتَّى يُكَفِّرَ.

(ش) : قَوْلُهُ فِي رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَةً إنْ تَزَوَّجَهَا فَجَاوَبَهُ بِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي الظِّهَارِ يَقْتَضِي لُزُومَ الطَّلَاقِ عِنْدَهُ، وَإِنَّهَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ إنْ تَزَوَّجَهَا، وَكَذَلِكَ الظِّهَارُ عَلَى حَسَبِ مَا جَاوَبَ بِهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِيمَنْ ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَةٍ إنْ تَزَوَّجَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لَزِمَهُ الظِّهَارُ وَوَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُكَفِّرَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا وَسَيَأْتِي بَعْدَ هَذَا مُبَيَّنًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

(ش) : سُؤَالُهُ عَنْ رَجُلٍ تَظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَنْكِحَهَا يُرِيدُ قَالَ لَهَا: إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَهَذِهِ الَّتِي يَلْزَمُهُ التَّظَاهُرُ مِنْهَا إنْ تَزَوَّجَهَا، وَأَمَّا لَوْ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي وَلَمْ يُضِفْ ذَلِكَ إلَى تَزَوُّجِهَا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ.
وَرَوَى ابْنُ مُزَيْنٍ عَنْ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَسُلَيْمَانِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ السَّائِلَ كَانَ قَدْ قَالَ: إنْ تَزَوَّجْتُك، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ فَلَا ظِهَارَ عَلَيْهِ إذَا تَزَوَّجَهَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ لَا يَلْزَمُهُ ظِهَارٌ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا أَضَافَ الظِّهَارَ إلَى حَالِ الزَّوْجِيَّةِ فَوَجَبَ أَنْ يَلْزَمَهُ إذَا وُجِدَتْ الزَّوْجِيَّةُ أَصْلُهُ إذَا قَالَ ذَلِكَ لِزَوْجَتِهِ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
وَقَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ ذَكَرَ لَهُ نِكَاحَ امْرَأَةٍ فَقَالَ هِيَ أُمِّي فَهُوَ مُظَاهِرٌ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ مُسْتَنِدٌ إلَى مَا عُرِضَ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فَكَأَنَّهُ قَالَ: إنْ فَعَلْت ذَلِكَ فَهِيَ أُمِّي، وَأَمَّا لَوْ قَالَ لَهَا ذَلِكَ يُرِيدُ أَنْ يَصِفَهَا بِالْكِبَرِ فَعِنْدِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بِذَلِكَ ظِهَارٌ وَلَا غَيْرُهُ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ: إنْ نَكَحَهَا فَلَا يَمَسَّهَا حَتَّى يُكَفِّرَ كَفَّارَةَ الْمُتَظَاهِرِ يُرِيدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ بِعَقْدِ النِّكَاحِ تَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لَمَّا وُجِدَتْ مِنْهُ الْعَوْدَةُ الْمُصَحِّحَةُ لِلْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْمَسِيسِ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] ، وَأَمَّا لَوْ كَفَّرَ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّ الْعَوْدَةَ لَا تَصِحُّ مِنْهُ، وَهِيَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْكَفَّارَةِ.

الصفحة 40