كتاب المنتقى شرح الموطإ (اسم الجزء: 4)
(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَتَظَاهَرُ مِنْ امْرَأَتِهِ فِي مَجَالِسَ مُتَفَرِّقَةٍ قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، فَإِنْ تَظَاهَرَ ثُمَّ كَفَّرَ ثُمَّ تَظَاهَرَ بَعْدَ أَنْ يُكَفِّرَ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ أَيْضًا) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQعِنْدِي أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مِنْ التَّمْرِ، وَالشَّعِيرِ مُدٌّ بِمُدِّ هِشَامٍ أَوْ مُدَّانِ بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَا يَلْزَمُهُ مِنْ مَكِيلَةِ الْقَمْحِ كَزَكَاةِ الْفِطْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
وَمَنْ صَامَ عَنْ ظِهَارِهِ حِينَ لَمْ يَجِدْ رَقَبَةً فَمَرِضَ فِي أَثْنَاءِ الصِّيَامِ فَقَدْ رَوَى زِيَادُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ إنْ كَانَ مَرَضُهُ مِمَّا لَا يَطْمَعُ بِالْبُرْءِ مِنْهُ، فَإِنَّهُ يُطْعِمُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ انْتَظَرَ أَنْ يَبْرَأَ أَوْ يَبْقَى عَلَى مَا كَانَ صَامَ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ أَشْهَبَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إنْ طَالَ مَرَضُهُ وَاحْتَاجَ إلَى امْرَأَتِهِ جَازَ لَهُ أَنْ يُطْعِمَ، وَإِنْ رَجَا الْبُرْءَ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ إذَا كَانَ مِمَّا يَرْجُو الْبُرْءَ مِنْهُ انْتَظَرَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمَوَانِعِ الَّتِي تَعْرِضُ فِي اسْتِدَامَةِ الصَّوْمِ كَالْحَيْضِ يَعْرِضُ لِلْمَرْأَةِ فِي شَهْرَيْ التَّتَابُعِ فَلَا يُجْزِئُهُ الْإِطْعَامُ، وَإِنْ كَانَ لَا يُرْجَى فَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ فَكَانَ فَرْضُهُ الْإِطْعَامَ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي: إنْ حَصَلَتْ لَهُ الْمَشَقَّةُ بِالْحَاجَةِ إلَى أَهْلِهِ مَعَ طُولِ الْمَرَضِ وَخَوْفِ الْعَنَتِ جَازَ لَهُ الِانْتِقَالُ إلَى الْإِطْعَامِ كَالْإِعْسَارِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَلَيْسَ فِي نَصِّ الْقُرْآنِ ذِكْرٌ لِلْكِسْوَةِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ بَلَى ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنَّهَا مَقْصُورَةٌ عَلَى الْعِتْقِ أَوْ الصِّيَامِ أَوْ الْإِطْعَامِ.
وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي نَوَادِرِهِ قَالَ: وَإِنْ كَسَا وَأَطْعَمَ عَنْ كَفَّارَةٍ وَاحِدَةٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِهِ: أَسَدُّ وَقَالَ فِي الْمَجَالِسِ تُجْزِئُهُ وَأَظُنُّهُ قَوْلَ مَالِكٍ وَقَالَ أَشْهَبُ: لَا يُجْزِئُهُ وَأَخْرَجَ مِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ فِيمَنْ ظَاهَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ فَأَطْعَمَ عَنْ وَاحِدَةٍ سِتِّينَ مِسْكِينًا وَكَسَا عَنْ أُخْرَى سِتِّينَ مِسْكِينًا ثُمَّ وَجَدَ الْعِتْقَ فَأَعْتَقَ عَنْ وَاحِدَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى رَقَبَةِ الرَّابِعَةِ فَلْيُطْعِمْ أَوْ يَكْسُ وَيُجْزِئُهُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ: اُنْظُرْ قَوْلَ مُحَمَّدٍ فِي الْكِسْوَةِ مَا أَعْرِفُهُ لِغَيْرِهِ، وَإِنَّمَا ذَكَرْته عَنْ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ لِيَكُونَ أَقْوَى فِي الْمَذْهَبِ فَتَحَقَّقَ بِهَذَا أَنَّ الْكَفَّارَةَ فِي الظِّهَارِ تَتَنَوَّعُ أَرْبَعَةَ أَنْوَاعٍ: عِتْقٌ وَصِيَامٌ وَإِطْعَامٌ وَكِسْوَةٌ وَكَأَنَّهُ يَنُوبُ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ وَيَحْتَمِلُ هَذَا عِنْدِي وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مِنْ بَابِ إخْرَاجِ الْقِيَمِ فِي الْكَفَّارَاتِ فَيُخْرِجُ الْكِسْوَةَ عَنْ الطَّعَامِ إذَا كَانَتْ مِثْلَ قِيمَتِهِ أَوْ أَكْثَرَ، وَكَانَ يَجِبُ عَلَى هَذَا أَنْ لَا يُرَاعَى قَدْرُ الْكِسْوَةِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ تَكُونَ الْكِسْوَةُ لَمَّا نَابَتْ عَنْ الْإِطْعَامِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ عَلَى عَدَدٍ وَاحِدٍ نَابَتْ هَاهُنَا عَنْهُ وَغَيْرِهَا مِنْ الْكَفَّارَاتِ، وَإِنْ نَابَ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ فَبِعَدَدٍ مُخَالِفٍ فَاخْتَصَّتْ الْكِسْوَةُ بِأَنَّهَا مِنْ جِنْسِ الْإِطْعَامِ وَقَلَّ مَنْ يَقُولُ بِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(مَسْأَلَةٌ) :
إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْوَطْءُ فِي أَثْنَاءِ إطْعَامِهِ وَمِنْ شَرْطِ إطْعَامِهِ تَقْدِيمُهُ عَلَى وَطْءِ الْمُظَاهَرِ مِنْهَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذِهِ كَفَّارَةٌ عَنْ ظِهَارٍ فَكَانَ حُكْمُهَا أَنْ تَتَقَدَّمَ عَلَى الْوَطْءِ كَالْعِتْقِ، وَالصَّوْمِ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَسَوَاءٌ وَطِئَ نَاسِيًا أَوْ عَامِدًا فَإِنَّهُ يَبْطُلُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ إطْعَامِهِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ ابْتِدَاءُ إطْعَامٍ آخَرَ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ وُجُوبِ تَقْدِيمِ جَمِيعِهِ عَلَى الْوَطْءِ، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ لَا يَتَخَلَّلَهُ وَطْءٌ.
(ش) : قَوْلُهُ فِي الرَّجُلِ يَتَظَاهَرُ مِنْ امْرَأَتِهِ فِي مَجَالِسَ شَتَّى لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهَذَا عَلَى إطْلَاقِ النِّيَّةِ دُونَ تَقْيِيدِهَا بِالتَّكْرَارِ مَعَ كَوْنِ الظِّهَارِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لَهَا: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ثُمَّ يَقُولُ لَهَا مِثْلَ ذَلِكَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ أَوْ مَجْلِسٍ آخَرَ، وَنَوَى تَأْكِيدَ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَتَكْرَارَهُ أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهَا يَمِينٌ وَاحِدَةٌ تَكَرَّرَتْ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ فَكَانَ إطْلَاقُهَا يَقْتَضِي التَّأْكِيدَ كَالْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَلَوْ نَوَى بِالْقَوْلِ الثَّانِي كَفَّارَةً ثَانِيَةً فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ تَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ ثَانِيَةٌ كَالْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَهَذَا كُلُّهُ مَا لَمْ تَلْزَمْهُ الْكَفَّارَةُ الْأُولَى بِالْوَطْءِ، فَإِنْ وَطِئَ ثُمَّ ظَاهَرَ مِنْهَا مَرَّةً أُخْرَى فَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ ثَانِيَةٌ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا وَقَعَ الْحِنْثُ بِالْوَطْءِ وَلَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ
الصفحة 46
308