كتاب المنتقى شرح الموطإ (اسم الجزء: 4)

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ تَظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ ثُمَّ مَسَّهَا قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَيَكُفُّ عَنْهَا حَتَّى يُكَفِّرَ وَيَسْتَغْفِرَ اللَّهَ قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ أَحْسَنُ مَا سَمِعْت) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ ظِهَارُهُ بَعْدَ ذَلِكَ ظِهَارَ مُبْتَدِئٍ لَهُ حُكْمُهُ كَاَلَّذِي يَحْلِفُ أَنْ لَا يَدْخُلَ الدَّارَ مِرَارًا ثُمَّ يَدْخُلَهَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَهَا فَحَنِثَ بِدُخُولِهَا ثُمَّ حَلَفَ مَرَّةً أُخْرَى أَنْ لَا يَدْخُلَهَا كَانَتْ الْيَمِينُ الثَّانِيَةُ غَيْرَ الْأُولَى يَجِبُ فِيهَا مِنْ الْكَفَّارَةِ بِالْحِنْثِ غَيْرُ مَا يَجِبُ بِالْأُولَى.
(فَرْعٌ) إذَا قُلْنَا: إنَّ تَكْرَارَ الظِّهَارِ بِمَعْنَى تَكَرُّرِ الْكَفَّارَةِ يُوجِبُ تَقَدُّمَ ذَلِكَ مِنْ الْكَفَّارَاتِ، فَإِنْ أَدَّى كَفَّارَةً وَاحِدَةً، فَإِنَّ الشَّيْخَ أَبَا مُحَمَّدٍ كَانَ يَقُولُ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا حَتَّى يُكَفِّرَ جَمِيعَ الْكَفَّارَاتِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ وَالشَّيْخُ أَبُو عِمْرَانَ إذَا كَفَّرَ كَفَّارَةً وَاحِدَةً حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا، فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ وَطْئِهَا مِنْ أَجْلِ سَائِرِ الْكَفَّارَاتِ كَانَ مُولِيًا مِنْهَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عِمْرَانَ؛ لِأَنَّ سَائِرَ الْكَفَّارَاتِ نَذْرٌ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
وَلَوْ شَرَعَ فِي الْكَفَّارَةِ عَنْ ظِهَارِهِ فَلَمْ يُتِمَّهَا حَتَّى ظَاهَرَ مَرَّةً أُخْرَى فَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ يَبْتَدِئُ الْكَفَّارَةَ مِنْ الظِّهَارِ الثَّانِي وَيُجْزِئُهُ وَقِيلَ بَلْ يُتِمُّ الْأَوَّلَ ثُمَّ يَبْتَدِئُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: هَذَا أَحَبُّ إلَيَّ إذَا بَقِيَ الْيَسِيرُ مِنْهَا، وَأَمَّا إنْ مَضَى يَوْمَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ فَيَبْتَدِئُ وَيُجْزِئُهُ لَهُمَا وَفِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ أَصْبَغَ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبْتَدِئَهُ الْآنَ سَوَاءٌ صَامَ مِنْ الْأُولَى يَسِيرًا أَوْ كَثِيرًا وَجْهُ قَوْلِنَا بِالْإِجْزَاءِ أَنَّهَا كَفَّارَةٌ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْحِنْثِ، فَإِذَا ظَاهَرَ مِنْهَا وَشَرَعَ فِي الْكَفَّارَةِ ثُمَّ أَرْدَفَ ثَانِيًا مِنْ جِنْسِ الْأَوَّلِ سَقَطَ حُكْمُ الْأَوَّلِ وَثَبَتَ الثَّانِي وَتُفَارِقُ الْيَمِينَ بِاَللَّهِ بِأَنَّ كَفَّارَتَهَا إذَا شَرَعَ فِيهَا بَعْدَ الْحِنْثِ لَمْ يُمْكِنْ إسْقَاطُهَا، فَإِذَا كُرِّرَتْ يَمِينٌ أُخْرَى كَانَ لَهَا حُكْمُهَا كَالْأُولَى، وَلَوْ لَزِمَتْ فِي الظِّهَارِ الْكَفَّارَةُ الْأُولَى فَحَنِثَ ثُمَّ ظَاهَرَ بَعْدَ ذَلِكَ ظِهَارًا آخَرَ لَكَانَتْ فِيهِ كَفَّارَتَانِ، وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَحَنِثَ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَفِي هَذَا كَفَّارَتَانِ قَالَهُ أَصْبَغُ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَغَيْرِهَا فَوَزَانِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ الْيَمِينِ أَنْ يُكَفِّرَ قَبْلَ الْحِنْثِ عَلَى رِوَايَةِ تَجْوِيزِ ذَلِكَ ثُمَّ يَشْرَعَ فِي الصِّيَامِ فَيَحْلِفَ فِي ذَلِكَ ثَانِيَةً ثُمَّ يُرِيدَ أَنْ يُكَفِّرَ، فَإِنَّهُ تُجْزِئُهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ يَبْتَدِئُهَا، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ هَذِهِ يَمِينٌ شَرَعَ فِي تَكْرِيرِهَا: فَإِذَا كُرِّرَتْ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ الظَّاهِرُ أَنَّهَا يَمِينٌ مُسْتَأْنَفَةٌ كَمَا لَوْ نَوَى بِيَمِينِهِ الثَّانِيَةِ كَفَّارَةً ثَانِيَةً، وَالْأَوَّلُ أَكْثَرُ فِي الْمَذْهَبِ وَأَظْهَرُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ: وَالْقَوْلَانِ عِنْدِي مَبْنِيَّانِ عَلَى قَوْلِنَا بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ بِالْعَوْدَةِ أَوْ عَلَى قَوْلِنَا بِصِحَّةِ الظِّهَارِ لِلْعَوْدَةِ، فَإِذَا قُلْنَا: تَجِبُ بِالْعَوْدَةِ، فَإِنَّهُ إذَا ظَاهَرَ مَرَّةً أُخْرَى لَزِمَهُ إتْمَامُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ بِالْعَوْدَةِ الْأُولَى ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ الْكَفَّارَةَ الثَّانِيَةَ، إذَا قُلْنَا: لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ بِالْعَوْدَةِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ تَرْكُهَا مَتَى شَاءَ، فَإِذَا ظَاهَرَ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهَا فَقَدْ تَرَكَ الْكَفَّارَةَ الْأُولَى وَتَلْزَمُهُ الثَّانِيَةُ وَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَتَى بِلَفْظِ الظِّهَارِ دُونَ أَنْ يَشْرَعَ فِي الْكَفَّارَةِ، وَقَدْ رَأَيْت نَحْوَهُ لِأَبِي الْقَاسِمِ بْنِ الْكَاتِبِ.
1 -
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ: فَإِنْ تَظَاهَرَ ثُمَّ كَفَّرَ ثُمَّ تَظَاهَرَ بَعْدَ أَنْ يُكَفِّرَ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ أَيْضًا عَلَى حَسَبِ مَا قَالَ؛ لِأَنَّهُ إذَا ظَاهَرَ بَعْدَ أَنْ أَتَمَّ الْكَفَّارَةَ، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ لِذَلِكَ الظِّهَارِ مِنْ كَفَّارَةٍ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ الْأُولَى لَيْسَتْ بِكَفَّارَةٍ عَمَّا يَأْتِي بَعْدَهَا مِنْ الْأَيْمَانِ، وَإِنَّمَا هِيَ كَفَّارَةٌ لِمَا تَقَدَّمَ قَبْلَهَا كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى.

(ش) : قَوْلُهُ: مَنْ تَظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ ثُمَّ مَسَّهَا قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ لَا يَقْتَضِي إبَاحَةَ ذَلِكَ بَلْ هُوَ مَحْظُورٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] لَكِنَّهُ مَنْ اجْتَرَأَ وَوَطِئَ قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ فَقَدْ تَقَرَّرَ عَلَيْهِ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهَا؛ لِأَنَّ ظِهَارَهُ وَاحِدٌ فَتَجِبُ بِهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ لَكِنْ مِنْ حُكْمِهَا تَقَدُّمُهَا عَلَى الْوَطْءِ، فَإِذَا وُجِدَ الْوَطْءُ قَبْلَهَا لَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ فِي إسْقَاطِ الْكَفَّارَةِ وَلَا فِي الزِّيَادَةِ عَلَيْهَا، وَذَلِكَ أَنَّ لِلْكَفَّارَةِ بَعْدَ وُجُوبِ التَّظَاهُرِ ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ: حَالَةٌ لَا تُجْزِئُ فِيهَا الْكَفَّارَةُ، وَهِيَ قَبْلَ الْعَوْدَةِ فَمَنْ كَفَّرَ

الصفحة 47