كتاب المنتقى شرح الموطإ (اسم الجزء: 4)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQلَهَا تَمْلِيكَهُ الثَّلَاثَ وَاقْتَضَى اخْتِيَارُهَا لِنَفْسِهَا الثَّلَاثَ حُكِمَ بِهَا.
(مَسْأَلَةٌ) :
إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَلَا يَخْلُو أَنْ يُطْلِقَ الْمُخَيِّرُ تَخْيِيرَهُ أَوْ يُقَيِّدَهُ، فَإِنْ أَطْلَقَهُ أَوْ قَيَّدَهُ بِالثَّلَاثِ حُمِلَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِذَا قَيَّدَهُ بِمَا دُونَ الثَّلَاثِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ التَّمْلِيكِ، فَإِذَا أَطْلَقَ فَأَجَابَتْهُ الْمَرْأَةُ فَلَا يَخْلُو أَنْ تُجِيبَ بِلَفْظٍ يَقْتَضِي الثَّلَاثَ أَوْ بِلَفْظٍ يَقْتَضِي مَا دُونَ ذَلِكَ أَوْ بِلَفْظٍ مُحْتَمِلٍ، فَإِنْ أَجَابَتْ بِلَفْظٍ يَقْتَضِي الثَّلَاثَ فَحُكْمُهُ مَا تَقَدَّمَ، وَلَوْ قَالَتْ: اخْتَرْت نَفْسِي ثُمَّ قَالَتْ: أَرَدْت بِهِ وَاحِدَةً لَمْ تُصَدَّقْ فِي ذَلِكَ وَلَزِمَتْهَا الثَّلَاثُ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
وَلَوْ خَيَّرَهَا فَقَالَتْ: طَلَّقْت نَفْسِي وَاحِدَةً بَائِنَةً فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ التَّخْيِيرَ إنَّمَا يَقْتَضِي قَطْعَ الْعِصْمَةِ، فَإِذَا قَالَتْ: طَلَّقْت نَفْسِي وَاحِدَةً كَانَتْ قَدْ رَدَّتْ التَّخْيِيرَ وَلَا يَنْفَعُهَا قَوْلُهَا بَائِنَةً؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ لَا تَكُونُ بَائِنَةً، وَإِنْ صَرَّحَتْ بِأَنَّهَا طَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ أَوْ قَالَتْ: اخْتَرْت وَاحِدَةً فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: إنَّ مَالِكًا وَأَصْحَابَهُ قَالُوا: لَيْسَ ذَلِكَ بِشَيْءٍ إلَّا عَبْدُ الْمَلِكِ، فَإِنَّهُ قَالَ: يَكُونُ ثَلَاثًا قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَمَا أَدْرِي مِنْ أَيْنَ أَخَذَهُ وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهَا قَضَتْ بِغَيْرِ مَا جَعَلَهُ إلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ إلَيْهَا قَطْعَ الْعِصْمَةِ فَلَمْ تَقْطَعْهَا، وَإِنَّمَا طَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْهَا مِمَّا جَعَلَ إلَيْهَا فَكَانَ ذَلِكَ رَدًّا لِمَا جَعَلَهُ إلَيْهَا، وَوَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ أَنَّ طَلَاقَ التَّخْيِيرِ يَقْتَضِي قَطْعَ الْعِصْمَةِ، وَهُوَ لَا يَتَبَعَّضُ، وَإِذَا طَلَّقَتْ نَفْسَهَا بِبَعْضِهِ لَزِمَ إتْمَامُهُ كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا نِصْفَ طَلْقَةٍ لَكَانَتْ كَامِلَةً لَمَّا كَانَتْ الطَّلْقَةُ لَا تَتَبَعَّضُ، وَعَلَى هَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمُخَيَّرُ قَبْلَ الدُّخُولِ يَقْتَضِي تَخْيِيرَهُ الثَّلَاثَ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
(فَرْعٌ) : فَإِذَا قُلْنَا: لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فَلَا يَخْلُو أَنْ يُنْكِرَ عَلَيْهَا أَوْ يَسْكُتَ، فَإِنْ أَنْكَرَ عَلَيْهَا وَقَالَ: لَمْ أُخَيِّرْك إلَّا فِي قَطْعِ الْعِصْمَةِ بِالثَّلَاثِ لَمْ يَلْزَمْهُ مَا قَضَتْ بِهِ مِنْ الْوَاحِدَةِ وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَسْتَأْنِفَ اخْتِيَارَ نَفْسِهَا بِالثَّلَاثِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَذَلِكَ قَوْلُ جَمَاعَةِ أَصْحَابِنَا إلَّا أَشْهَبَ، فَإِنَّهُ قَالَ: ذَلِكَ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا، وَإِنْ سَكَتَ وَلَمْ يُنْكِرْ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: إنْ تَبَيَّنَ مِنْهُ الرِّضَى بِهَا لَزِمَتْهُ وَلَهُ الرَّجْعَةُ وَلَيْسَتْ هَذِهِ الطَّلْقَةُ مِنْ قِبَلِ الْخِيَارِ طَلْقَةً لَا رَجْعَةَ فِيهَا، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا طَلَّقَتْ نَفْسَهَا بِحَضْرَةِ الزَّوْجِ وَأَظْهَرَ مَا يَقْتَضِي الرِّضَى بِطَلَاقِهَا لَزِمَهُ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَوْلُهَا: قَبِلْت نَفْسِي عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَجَمِيعِ أَصْحَابِنَا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهَا: اخْتَرْت نَفْسِي قَالَهُ مُحَمَّدٌ: إلَّا أَشْهَبَ قَالَ بِغَيْرِ حُجَّةٍ هُوَ بِمَنْزِلَةِ قَبِلْت أَمْرِي تُسْأَلُ عَمَّا أَرَادَتْ بِهِ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَإِنْ أَتَتْ بِلَفْظٍ مُحْتَمِلٍ مِثْلُ أَنْ تَقُولَ: قَبِلْت أَوْ قَبِلْت أَمْرِي أَوْ اخْتَرْت فَقَطْ فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَغَيْرِهِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَيْسَ هَذَا الْفِرَاقُ وَتُسْأَلُ عَمَّا أَرَادَتْ بِهِ، وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَصْبَغَ فِي قَوْلِهَا: اخْتَرْت أَمْرِي هُوَ فِرَاقٌ فِي التَّخْيِيرِ، وَالتَّمْلِيكِ وَلَا تُسْئَلُ عَمَّا أَرَادَتْ وَلَا تَحِلُّ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ وَجْهُ قَوْلِ الْجَمَاعَةِ أَنَّ قَوْلَهَا قَبِلْت أَمْرِي لَفْظٌ عَامٌّ فِي الْأَمْرِ يَحْتَمِلُ مَعَانِيَ فَلَهَا أَنْ تُفَسِّرَهُ بِمَا شَاءَتْ وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ: أَنَّ ظَاهِرَ قَبُولِهَا إنَّمَا هُوَ لَمَّا جَعَلَ إلَيْهَا مَا لَمْ يَكُنْ لَهَا مِنْ الْفُرْقَةِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ.
(فَرْعٌ) : فَإِذَا قُلْنَا: إنَّ لَهَا التَّفْسِيرَ سُئِلَتْ عَمَّا أَرَادَتْ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ: إنْ قَالَتْ أَرَدْت أَنِّي قَبِلْت مَا جَعَلَ إلَيَّ مِنْ الِاخْتِيَارِ أَوْ الْمِلْكِ، وَأَنَا أَنْظُرُ الْآنَ فَأُوقِعُ إنْ شِئْت أَوْ أَرَادَ أَنَّ ذَلِكَ لَهَا وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ إنْ قَالَتْ: لَمْ أُرِدْ بِهِ الطَّلَاقَ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهَا، وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهَا مِمَّنْ يَعْلَمُ الْفَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ الطَّلَاقِ وَقَصَدَتْهُ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهَا وَلَا يَكَادُ يُفَرَّقُ بَيْنَ ذَلِكَ مِنْ الرِّجَالِ إلَّا مَنْ يَفْقَهُ فَرَأَيْت مَذْهَبَهُ أَنَّهَا الْبَتَّةُ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ لَفْظَ الْأَمْرِ يَحْتَمِلُ مَا قَالَتْهُ فَيَقْبَلُ مِنْهَا ذَلِكَ وَلَا يُلْزِمُهُ أَنْ لَا يَعْلَمَ هَذَا إلَّا مَنْ يَفْقَهُ فَقَدْ عَلِمَتْهُ هِيَ وَأَخْبَرَتْ بِهِ عَنْ نَفْسِهَا وَلَا يَحْمِلُ النَّاسُ فِي أَحْكَامِهِمْ إلَّا عَلَى الْمَعْرِفَةِ.
(فَرْعٌ) : وَلَوْ قَالَتْ: أَرَدْت بِذَلِكَ الْبَقَاءَ مَعَ زَوْجِي فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: لَا يُقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهَا وَيَكُونُ طَلَاقًا إلَّا أَنْ تَأْتِيَ بِمَا يَعْرِفُ بِهِ صِدْقَهَا، وَلَوْ قَالَتْ: كُنْت لَاعِبَةً أَوْ مُسْتَهْزِئَةً لَمْ يَلْزَمْهَا شَيْءٌ وَدِينَتْ
الصفحة 59
308