كتاب المنتقى شرح الموطإ (اسم الجزء: 4)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهَا: لَا أَنَا وَلَا ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ ظَاهِرُهُ الِامْتِنَاعُ مِنْهُ وَحُكْمُهُ حُكْمُ النُّشُوزِ وَتُجْبَرُ عَلَى الرُّجُوعِ إلَيْهِ إنْ لَمْ يُرِدْ فِرَاقَهَا بِخُلْعٍ أَوْ غَيْرِهِ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِزَوْجِهَا لَمَّا جَاءَ «هَذِهِ حَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ قَدْ ذَكَرَتْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَذْكُرَهُ» إعْلَامًا لَهُ بِمَا أَتَتْ لَهُ وَظَاهِرُ اللَّفْظِ يَقْتَضِي أَنَّهُ قَصَدَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْإِخْبَارَ عَنْ مَعْنَى مَا أَتَتْ لَهُ وَلَمْ يُفَسِّرْ تَفَاصِيلَ قَوْلِهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ هِيَ قَدْ تَشَكَّتْ إلَيْهِ ضَرَرًا فَلَمْ يَحْتَجْ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ إلَى أَنْ يُفَسِّرَ لَهُ ذَلِكَ الضَّرَرَ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْهُ الزَّوْجُ وَيَكْفِي مِنْ الْإِعْلَامِ لِلزَّوْجِ أَنْ يُقَالَ لَهُ: اشْتَكَتْ ضَرَرًا، فَإِنْ أَنْكَرَهُ سُئِلَتْ الْبَيِّنَةُ عَمَّا تَشَكَّتْ مِنْهُ، وَإِنْ سَأَلَ التَّفْسِيرَ لِيُنْكِرَ مِنْهُ أَكْثَرَ مِمَّا فَعَلَهُ أَوْ لِيُبْدِيَ عُذْرَهُ فِيمَا أَتَى بِهِ مِنْهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ حَبِيبَةُ لَمْ تَشْتَكِ مِنْ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ ضَرَرًا وَلَكِنَّهَا كَرِهَتْ مُصَاحَبَتَهُ خَاصَّةً فَلِذَلِكَ لَمْ يَحْتَجْ أَنْ يَذْكُرَ لَهُ مَا تَشَكَّتْ مِنْهُ.
وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلَا دِينٍ وَلَكِنْ لَا أُطِيقُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ قَالَتْ: نَعَمْ» وَاَلَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ يَجُوزُ الْخُلْعُ مِنْ غَيْرِ اشْتِكَاءِ ضَرَرٍ خِلَافًا لِمَنْ مَنَعَ ذَلِكَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: 4] .
(مَسْأَلَةٌ) :
وَإِذَا كَانَ الضَّرَرُ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجَةِ، وَالْكَرَاهِيَةُ لِلزَّوْجِ فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ الْخُلْعِ، وَإِنْ كَانَ الضَّرَرُ مِنْهُمَا مَعًا فَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُخَالِعَهَا عَلَى ذَلِكَ بِأَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا شَيْئًا قَالَ: وَهُوَ مَنْصُوصٌ لِمَنْ تَقَدَّمَ مِنْ عُلَمَائِنَا قَالَ: وَلَيْسَتْ كَمَسْأَلَةِ الْحَكَمَيْنِ إذَا كَانَ الضَّرَرُ مِنْهَا جَازَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّظَرَ فِي مَسْأَلَةِ الْحَكَمَيْنِ لِلْحَكَمَيْنِ فَيَنْفُذُ حُكْمُهُمَا فِي ذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّهُ إذَا جَازَ ذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الْحَكَمَيْنِ فَبِأَنْ يَجُوزَ مِنْهُمَا إذَا اتَّفَقَا عَلَى ذَلِكَ أَوْلَى.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُ حَبِيبَةَ بِنْتِ سَهْلٍ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلُّ مَا أَعْطَانِي عِنْدِي إشَارَةٌ إلَى أَنَّهَا بَذَلَتْهُ لِزَوْجِهَا عَلَى أَنْ يُفَارِقَهَا، وَقَدْ صَرَّحَ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهَا: «أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ قَالَتْ: نَعَمْ» ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] .
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خُذْ مِنْهَا إبَاحَةٌ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْذَ الْفِدَاءِ مِنْهَا، وَقَدْ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ نَدْبًا إلَى ذَلِكَ لَمَّا رَأَى مِنْ إشْفَاقِهَا وَاسْتِضْرَارِهَا بِالْمُقَامِ مَعَهُ، وَقَدْ بَلَغَ ذَلِكَ مِنْهَا إلَى أَنْ خَافَتْ أَنْ تَأْتِيَ مَا تَأْثَمُ بِهِ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ فَأَخَذَ مِنْهَا فَجَلَسَتْ فِي أَهْلِهَا إتْمَامًا مِنْهُ لِمَا قَرَّرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُمَا مِنْ الْخُلْعِ وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ تَكَلَّمَ بِطَلَاقٍ وَلَا خُلْعٍ، وَفِي الْمَبْسُوطِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي رَجُلٍ نَكَحَ امْرَأَةً فَنَدِمَ فَقَالَ لَهُ أَهْلُهَا: نُؤَدِّي إلَيْك مَا أَخَذْنَا مِنْك وَتُؤَدِّي إلَيْنَا أُخْتَنَا وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ طَلَاقٌ وَلَا كَلِمَةٌ فَقِيلَ: إنَّهُ إنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَلِكَ تَطْلِيقَةً وَتَكُونُ عِنْدَهُ عَلَى تَطْلِيقَتَيْنِ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ إذَا قَصَدَ إلَى الصُّلْحِ عَلَى أَنْ أَخَذَ مَتَاعَهُ وَسَلَّمَ إلَيْهَا مَتَاعَهَا فَهُوَ خُلْعٌ لَازِمٌ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ لَمْ يَقُلْ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَفْهُومَ مِمَّا أَتَوْهُ إنْفَاذُ الطَّلَاقِ وَإِيقَاعُهُ، وَالْفُرْقَةُ الْمَوْجُودَةُ بَيْنَهُمَا، وَالِانْفِصَالُ إنَّمَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الطَّلَاقِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ طَلَاقًا كَالْإِشَارَةِ بِهِ أَوْ الْكِتَابَةِ لَهُ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ: وَجَلَسَتْ فِي أَهْلِهَا يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ إنْ كَانَتْ الدَّارُ لَهَا أَنَّهَا جَلَسَتْ فِيهَا دُونَهُ مُدَّةَ الْعِدَّةِ مَعَ خَدَمٍ إنْ كَانَ لَهَا أَوْ حَاشِيَةٌ مِمَّنْ كَانَ مَعَهَا قَبْلَ الْخُلْعِ وَوُصِفَتْ بِذَلِكَ أَنَّهَا جَلَسَتْ فِي أَهْلِهَا لَمَّا كَانَ هَذَا الْجُلُوسُ لَهَا وَمُخْتَصًّا بِهَا وَقَبْلَ ذَلِكَ، فَإِنَّمَا كَانَ الْجُلُوسُ لَهُ وَيُحْتَمَلُ إنْ كَانَتْ الدَّارُ لَهَا أَنَّهَا
الصفحة 61
308