كتاب المنتقى شرح الموطإ (اسم الجزء: 4)
(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ مَوْلَاةٍ لِصَفِيَّةَ بِنْتِ عُبَيْدٍ أَنَّهَا اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا بِكُلِّ شَيْءٍ لَهَا فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيْهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ)
ـــــــــــــــــــــــــــــQبَقِيَتْ فِيهَا لَمْ يَنْقُلْهَا عَنْهَا لِاسْتِحْقَاقِهَا لَهَا وَلَعَلَّهُ كَانَ سَاكِنًا مَعَهَا فِي مَحَلِّهَا عِنْدَ أَقَارِبِهَا فَانْتَقَلَ هُوَ عَنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ إلَى أَهْلِهِ وَأَقَارِبِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(ش) : قَوْلُهُ: إنَّهَا اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا بِكُلِّ شَيْءٍ لَهَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَدْرَ مَا أَصْدَقَهَا، وَأَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ فَأَمَّا الْخُلْعُ بِكُلِّ مَا أَصْدَقَهَا أَوْ أَقَلَّ فَجَائِزٌ عِنْدَ جَمِيعِ الْفُقَهَاءِ، وَأَمَّا الْخُلْعُ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَسَنَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهَا بِكُلِّ شَيْءٍ لَهَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سَمَّتْهُ وَوَصَفَتْهُ وَأَحْضَرَتْهُ حَتَّى كَانَ مَعْرُوفًا غَيْرَ مَجْهُولٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْخُلْعُ وَقَعَ لَهَا بِهَذَا اللَّفْظِ عَلَى أَنْ تَنْخَلِعَ لَهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ لَهَا فَيَكُونُ ذَلِكَ مَجْهُولًا وَلَا يَخْلُو ذَلِكَ مِنْ أَنْ يُوجَدَ لَهَا شَيْءٌ أَوْ لَا يُوجَدَ لَهَا شَيْءٌ، فَإِنْ وُجِدَ لَهَا شَيْءٌ لَهُ مِقْدَارٌ، فَإِنَّ الْخُلْعَ نَافِذٌ، وَذَلِكَ أَنَّ الْخُلْعَ عَلَى الْعَبْدِ الْآبِقِ جَائِزٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَيَجُوزُ ذَلِكَ عَلَى الْجَنِينِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَوْ الْجَمَلِ الشَّارِدِ، وَالثَّمَرَةِ الَّتِي لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا وَفِي الْمُدَوَّنَةِ، وَالْمَبْسُوطِ يَجُوزُ بِمَا يُثْمِرُ نَخْلُهُ الْعَامَ وَبِمَا تَلِدُ غَنَمُهُ الْعَامَ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] ، وَهَذَا عَامٌّ وَمِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّهُ مِمَّا يُمْلَكُ بِالْهِبَةِ، وَالْوَصِيَّةِ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا فِي الْخُلْعِ كَالْمَعْلُومِ.
1 -
(فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ يَصِحُّ الْخُلْعُ بِالْغَرَرِ، فَإِنَّهُ إنْ سَلِمَ وَقَبَضَهُ فَهُوَ لَهُ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ، وَإِنْ تَلِفَ فَلَا شَيْءَ لَهُ غَيْرُهُ، وَالطَّلَاقُ نَافِذٌ عَلَى حُكْمِهِ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ عَقْدٌ يَجُوزُ فِي مُعَيَّنٍ مِنْ الْغَرَرِ، فَإِذَا لَمْ يَسْلَمْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهُ كَالْهِبَةِ، وَالْوَصِيَّةِ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
وَلَوْ خَالَعَهَا عَلَى نَفَقَةٍ وَلَهَا مُدَّةُ الْحَوْلَيْنِ وَرَضَاعُهُ فِيهِمَا جَازَ ذَلِكَ، فَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهَا نَفَقَةَ الِابْنِ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ أَرْبَعَ سِنِينَ أَوْ ثَلَاثًا فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى نَفَقَةِ الِابْنِ وَإِرْضَاعِهِ فِي الْحَوْلَيْنِ فَهُوَ بَاطِلٌ مَوْضُوعٌ عَنْ الزَّوْجَةِ، وَإِنْ شَرَطَ الزَّوْجُ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ مَالِكٌ بِمَا بَطَلَ مِنْ شَرْطِهِ شَيْئًا، وَأَجَازَ ذَلِكَ فِيمَا زَادَ عَلَى الْحَوْلَيْنِ مِنْ مُدَّةِ أَرْبَعَةِ أَعْوَامٍ، أَوْ إلَى انْقِضَاءِ أَمَدِ الْحَضَانَةِ الْمَخْزُومِيِّ وَاخْتَارَهُ سَحْنُونٌ وَوَجَّهَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ مَذْهَبَ ابْنِ الْقَاسِمِ بِأَنَّ الْمُتَخَالِعَيْنِ أَدْخَلَا الْغَرَرَ فِيمَا أَوْقَعَا بِهِ الْخُلْعَ مِنْ النَّفَقَةِ وَمَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ الْغَرَرِ كَالْعَبْدِ الْآبِقِ، وَالْجَمَلِ الشَّارِدِ فَالْغَرَرُ دَخَلَ فِيهِ بِغَيْرِ فِعْلِهَا وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ الْقَرَوِيِّينَ لَمْ يَمْنَعْ مَالِكٌ الْخُلْعَ بِنَفَقَةِ مَا زَادَ عَلَى الْحَوْلَيْنِ لِأَجْلِ الْغَرَرِ، وَإِنَّمَا مَنَعَهُ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ مُخْتَصٌّ بِالْأَبِ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْقُلَهُ إلَى غَيْرِهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ نَفَقَةِ الْحَوْلَيْنِ أَنَّ تِلْكَ النَّفَقَةَ وَهِيَ الرَّضَاعُ قَدْ تَجِبُ عَلَى الْأُمِّ حَالَ الزَّوْجِيَّةِ وَبَعْدَ الطَّلَاقِ إذَا أَعْسَرَ الْأَبُ فَجَازَ أَنْ تُنْقَلَ هَذِهِ النَّفَقَةُ إلَى الْأُمِّ؛ لِأَنَّهَا مَحَلٌّ لَهَا وَفِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ مَالِكًا احْتَجَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: 233] وَهَذِهِ إشَارَةٌ إلَى مَا قَدَّمْنَاهُ، وَوَجْهُ رِوَايَةِ الْمَخْزُومِيِّ أَنَّهُ إزَالَةُ مِلْكٍ تَجُوزُ إزَالَتُهُ بِالْغَرَرِ فَجَازَ إزَالَتُهُ بِنَفَقَةِ أَرْبَعَةِ أَعْوَامٍ أَصْلُ ذَلِكَ الْعِتْقُ.
(فَرْعٌ) : فَإِنْ وَقَعَ الْخُلْعُ عَلَى الْوَجْهِ الْمُبَاحِ بِنَفَقَةِ الِابْنِ فَمَاتَ الصَّبِيُّ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ فَهَلْ لِلزَّوْجِ الرُّجُوعُ عَلَيْهَا بِبَقِيَّةِ النَّفَقَةِ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ لَا يَتْبَعُهَا بِشَيْءٍ وَرَوَى عَنْهُ أَبُو الْفَرْجِ يَتْبَعُهَا وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا احْتَجَّ بِهِ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ لِنَفْسِهِ مَا لَا يَتَمَوَّلَهُ، وَإِنَّمَا شَرَطَ أَنْ تَكْفِيَهُ مُؤْنَةَ الْوَلَدِ، فَإِذَا مَاتَ الْوَلَدُ لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ كَمَا لَوْ تَطَوَّعَ رَجُلٌ بِالْإِنْفَاقِ عَلَى الصَّبِيِّ بِبَيِّنَةٍ فَمَاتَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا قَصَدَ بِتَطَوُّعِهِ تَحَمُّلَ مُؤْنَتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهَا إنْ مَاتَتْ فَنَفَقَةُ الْوَلَدِ فِي مَالِهَا؛ لِأَنَّهَا حَقٌّ ثَبَتَ فِيهِ قَبْلَ مَوْتِهَا فَلَا يَسْقُطُ بِمَوْتِهَا، وَوَجْهُ رِوَايَةِ أَبِي الْفَرَجِ أَنَّهُ حَقٌّ يَثْبُتُ لَهُ فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ بِالْخُلْعِ فَلَا يَسْقُطُ بِمَوْتِ الصَّبِيِّ كَمَا لَوْ خَالَعَهَا بِمَالٍ مُتَعَلِّقٍ بِذِمَّتِهَا
الصفحة 62
308