كتاب المنتقى شرح الموطإ (اسم الجزء: 4)

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُفْتَدِيَةِ الَّتِي تَفْتَدِي مِنْ زَوْجِهَا: إنَّهُ إذَا عَلِمَ أَنَّ زَوْجَهَا أَضَرَّ بِهَا وَضَيَّقَ عَلَيْهَا وَعَلِمَ أَنَّهُ ظَالِمٌ لِهَا مَضَى الطَّلَاقُ وَرَدَّ عَلَيْهَا مَا لَهَا قَالَ: فَهَذَا الَّذِي كُنْت أَسْمَعُ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ أَمْرُ النَّاسِ عِنْدَنَا) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْهَا بِشَيْءٍ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَإِنْ قَصَدَ إلَى إيقَاعِ الْخُلْعِ دُونَ عِوَضٍ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ هُوَ خُلْعٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَقَالَ أَشْهَبُ: يَكُونُ طَلَاقًا رَجْعِيًّا، وَالدَّلِيلُ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ عَدَمَ حُصُولِ الْعِوَضِ فِي الْخُلْعِ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ مُقْتَضَاهُ أَصْلُ ذَلِكَ إذَا خَالَعَ بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّهُ طَلَاقٌ عَرَا عَنْ عِوَضٍ وَاسْتِيفَاءِ عَدَدٍ فَكَانَ رَجْعِيًّا كَمَا لَوْ كَانَ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ وَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّهُمَا إذَا تَدَاعَيَا إلَى الصُّلْحِ وَافْتَرَقَا عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ مِنْهَا شَيْئًا فَهُوَ فِرَاقٌ كَمَا لَوْ أَخَذَ مِنْهَا وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُمَا لَوْ قَصَدَا إلَى الصُّلْحِ عَلَى أَنْ أَخَذَ مَتَاعَهُ وَسَلَّمَ إلَيْهَا مَتَاعَهَا أَنَّهُ خُلْعٌ لَازِمٌ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ لَمْ يَقُلْ قَالَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ إلَى الصُّلْحِ وَقَالَ: لِي مَتَاعِي وَلَك مَتَاعُك أَوْ لَك زِيَادَةُ كَذَا؛ فَلَهُ الرَّجْعَةُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُمَا إذَا قَضَيَا الصُّلْحَ فَقَدْ أَحْرَزَ مَا صَارَ إلَيْهِ بِالطَّلَاقِ الَّذِي طَلَّقَهَا الْآنَ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الصُّلْحِ الَّذِي ذُكِرَ أَنْ يُطَلِّقَهَا مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ، وَأَمَّا إذَا قَصَدَ طَلَاقَهَا دُونَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَأَبَاحَ لَهَا أَنْ تَأْخُذَ مَا لَهَا وَيَأْخُذَ مَالَهُ فَهَذَا لَيْسَ بِخُلْعٍ وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي بَارَيْتُك: إنَّهَا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ؛ لِأَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ طَلَّقَهَا لِتُبْرِئَهُ مِمَّا كَانَتْ تَطْلُبُهُ بِهِ مُحِقَّةً أَوْ مُبْطِلَةً وَيُبْرِئَهَا هُوَ أَيْضًا، وَذَلِكَ مِنْ بَابِ الْخُلْعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلِذَلِكَ.
1 -
قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ، وَالْمَوَّازِيَّةِ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَلِك عِنْدِي شَيْءٌ قَالَتْ: لَا، وَلَا لَك عِنْدِي شَيْءٌ قَالَ: لَا قَالَ: فَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِئْت مِنْهَا وَبَرِئَتْ مِنِّي فَافْتَرَقَا عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ قَامَتْ بِمَا كَانَ لَهَا قِبَلَهُ وَقَالَتْ لَمْ أُرِدْ الْمُبَارَأَةَ وَقَالَ هُوَ أَرَدْت الْمُبَارَأَةَ، فَإِنْ قَالَتْ الْبَيِّنَةُ: كُنَّا نَرَى أَنَّهُمَا أَرَادَا الْمُبَارَأَةَ فَذَلِكَ نَافِذٌ وَلَا شَيْءَ لَهَا عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ إنْ شَهِدُوا بِمَا ذَكَرْنَا أَوَّلَ السُّؤَالِ فَقَطْ فَلَا شَيْءَ لَهَا.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
وَإِنْ صَالَحَهَا عَلَى أَنْ أَعْطَاهَا شَيْئًا مِنْ مَالِهِ وَفَارَقَهَا وَلَمْ يَأْخُذْ مِنْهَا شَيْئًا وَظَنَّ أَنَّهُ وَجْهُ الصُّلْحِ فَفِي الْمَبْسُوطِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ هُوَ خُلْعٌ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ طَلَاقٌ لَمْ يَأْخُذْ الزَّوْجُ بِهِ عِوَضًا فَلَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ كَوْنَهُ رَجْعِيًّا كَمَا لَوْ لَمْ يُعْطِهَا شَيْئًا، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ عَطَاءٌ فِي خُلْعٍ فَاقْتَضَى الْبَيْنُونَةَ وَقَطْعَ الرَّجْعَةِ كَمَا لَوْ أَعْطَتْهُ الزَّوْجَةُ وَوَجْهٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّهُ قَطَعَ بِمَا أَعْطَاهَا مُطَالَبَتَهَا قِبَلَهُ، وَذَلِكَ سَبَبُ حُكْمِ الْخُلْعِ.

(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ: إنَّ الْمُفْتَدِيَةَ إذَا كَانَ افْتِدَاؤُهَا لِإِضْرَارِ زَوْجِهَا وَظُلْمِهِ لَهَا لَمْ يَلْزَمْهَا مَا افْتَدَتْ بِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ إضْرَارَ زَوْجِهَا بِهَا لَا يَجُوزُ لَهُ بَلْ هُوَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ عَلِمَ مِنْ امْرَأَتِهِ بِالزِّنَى لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُضَارَّهَا حَتَّى تَفْتَدِيَ وَمِنْ الْإِضْرَارِ بِهَا الْمُوجِبِ لِرَدِّ مَا أَخَذَ مِنْهَا أَنْ يُؤْثِرَ عَلَيْهَا ضَرَّتَهَا وَلَا يَفِيَ بِحَقِّهَا فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهَا إذَا لَمْ تَرْضَ بِالْأَثَرَةِ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا لَهُ أَنْ يُمْسِكَهَا مِنْ غَيْرِ إضْرَارٍ بِهَا بِأَثَرَةٍ وَلَا غَيْرِهَا أَوْ يُفَارِقَهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] .
(مَسْأَلَةٌ) :
وَلَيْسَ مِنْ الْإِضْرَارِ بِهَا الْبُغْضُ لَهَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ، وَإِنَّمَا الْإِضْرَارُ عِنْدِي الْأَذَى بِضَرْبٍ أَوْ اتِّصَالِ شَتْمٍ فِي غَيْرِ حَقٍّ، أَوْ أَخْذِ مَالٍ أَوْ إيثَارٍ، وَفِي الْمَبْسُوطِ عَنْ مَالِكٍ وَلَيْسَ عِنْدَنَا فِي قِلَّةِ الضَّرَرِ وَكَثْرَتِهِ شَيْءٌ مَعْرُوفٌ وَلَا مَوْقُوتٌ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَتَقَدَّرُ بِحَدٍّ لَا يَكُون ضَرَرًا حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِقَدْرِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ مُضِرٌّ بِهَا مِنْ تَكْرَارِهِ أَذَاهُ لَهَا.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ أَضَرَّ بِهَا أَوْ ضَيَّقَ عَلَيْهَا وَعَلِمَ أَنَّهُ ظَالِمٌ لَهَا مَضَى الطَّلَاقُ وَرَدَّ عَلَيْهَا مَا لَهَا يُرِيدُ أَنَّ مَا الْتَزَمَهُ مِنْ طَلَاقِ الْخُلْعِ يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَهُ بِاخْتِيَارِهِ وَيَرُدُّ مَا أَخَذَ مِنْهَا مِنْ الْعِوَضِ وَلَا يَأْخُذُ مِنْهَا مَا كَانَتْ الْتَزَمَتْهُ لَهُ مِنْ نَفَقَةٍ وَرَضَاعٍ رَوَاهُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّهَا دَفَعَتْهُ إلَيْهِ غَيْرَ مُحْتَاجَةٍ لِرَفْعِهِ

الصفحة 64