كتاب المنتقى شرح الموطإ (اسم الجزء: 4)

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابِ أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ كَانَ يَقْضِي فِي الَّذِي يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ أَنَّهَا ثَلَاثٌ تَطْلِيقَاتٍ قَالَ مَالِكٌ، وَهَذَا أَحَبُّ مَا سَمِعْت إلَيَّ فِي ذَلِكَ) .

مَا جَاءَ فِي الْخَلِيَّةِ وَالْبَرِيَّةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّهُ كُتِبَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ الْعِرَاقِ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: حَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ فَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى عَامِلِهِ أَنْ مُرْهُ يُوَافِينِي بِمَكَّةَ فِي الْمَوْسِمِ فَبَيْنَمَا عُمَرُ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ إذْ لَقِيَهُ الرَّجُلُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَقَالَ عُمَرُ: مَنْ أَنْتَ فَقَالَ أَنَا الَّذِي أُمِرْتُ أَنْ أُجْلَبَ عَلَيْك فَقَالَ لَهُ عُمَرُ أَسْأَلُكَ بِرَبِّ هَذِهِ الْبَنِيَّةِ مَا أَرَدْت بِقَوْلِك حَبْلُك عَلَى غَارِبِك فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ لَوْ اسْتَحْلَفْتَنِي فِي غَيْرِ هَذَا الْمَكَانِ مَا صَدَقْتُك أَرَدْتُ بِذَلِكَ الْفِرَاقَ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ هُوَ مَا أَرَدْتَ)
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَنْ قَالَ أَلْبَتَّةَ فَقَدْ رَمَى الْغَايَةَ الْقُصْوَى يُرِيدُ أَنَّهُ مَنْ قَالَ أَلْبَتَّةَ فِي طَلَاقِهِ فَقَدْ بَلَغَ أَقْصَى الْغَايَاتِ فِي الطَّلَاقِ وَمَنَعَ التَّرَاجُعَ الَّذِي لَا تُوصَفُ الْفُرْقَةُ الَّتِي لَا تَمْنَعُهُ بِالْبَتَّةِ، وَهَذَا الْمَعْنَى مِنْ الْمُبَالَغَةِ فِي ذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالثَّلَاثِ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ رَمَى الْغَايَةَ الْقُصْوَى عَلَى مَا قَالَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ ذَلِكَ مُقْتَضَى الْبَتَّةِ، وَعَلَى ذَلِكَ يَسْتَعْمِلُ هَذِهِ اللَّفْظَةَ النَّاسُ فِي الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ فِي الْجَوَازِ، وَالْمَنْعِ فَيَقُولُ الْقَائِلُ: لَا أَفْعَلُ ذَلِكَ أَلْبَتَّةَ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى مُخَالَفَةِ قَوْلِهِ، وَلَا إلَى الْعُدُولِ مِنْهُ بِوَجْهٍ وَكَذَلِكَ مَنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ مَعْنَاهُ طَلَاقًا لَا سَبِيلَ فِيهِ إلَى مُرَاجَعَةِ الزَّوْجِيَّةِ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالثَّلَاثِ.
(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابِ أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ كَانَ يَقْضِي فِي الَّذِي يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ أَنَّهَا ثَلَاثٌ تَطْلِيقَاتٍ قَالَ مَالِكٌ، وَهَذَا أَحَبُّ مَا سَمِعْت إلَيَّ فِي ذَلِكَ) .
(ش) : قَوْلُهُ: إنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ كَانَ يَقْضِي فِي الْبَتَّةِ بِالثَّلَاثِ يَقْتَضِي تَكْرَارَ هَذَا الْقَضَاءِ مِنْهُ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ يُسْتَعْمَلُ هَذَا اللَّفْظُ فِيمَنْ يَكْثُرُ مِنْهُ الْفِعْلُ، وَإِنَّمَا اسْتَظْهَرَ مَالِكٌ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَرْوَانَ كَانَ أَمِيرًا بِالْمَدِينَةِ فِي زَمَانِ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَأَجِلَّةِ التَّابِعِينَ وَعُلَمَائِهِمْ وَكَانَ لَا يَقْضِي إلَّا عَنْ مَشُورَتِهِمْ وَبِمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ جَمِيعُهُمْ أَوْ أَكْثَرُهُمْ وَأَعْلَمُهُمْ، فَإِذَا تَكَرَّرَ قَضَاؤُهُ فِي الْبَتَّةِ أَنَّهَا ثَلَاثٌ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ الظَّاهِرَ مِنْ أَقْوَالِهِمْ، وَالْمَعْمُولَ بِهِ مِنْ مَذَاهِبِهِمْ أَوْ أَنَّهُ الَّذِي اتَّفَقَ عَلَيْهِ جَمِيعُهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَهَذَا فِي الْمَدْخُولِ بِهَا فَأَمَّا غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا، فَإِنْ نَوَى الثَّلَاثَ أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَلَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهَا ثَلَاثٌ، إنْ نَوَى وَاحِدَةً فَهَلْ يَنْوِي أَوْ لَا فِيهِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا لَا يَنْوِي وَتَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ وَبِهِ قَالَ سَحْنُونٌ وَابْنُ حَبِيبٍ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ أَنَّهُ يَنْوِي وَبِهَا قَالَ مَالِكٌ فَالرِّوَايَةُ الْأُولَى مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ أَلْبَتَّةَ لَا تَتَبَعَّضُ وَلَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْهَا، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ أَصْبَغَ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَنَصَّ عَلَيْهِ سَحْنُونٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّهَا تَتَبَعَّضُ وَيَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْهَا، وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَرَوَاهُ سَحْنُونٌ عَنْ الْعُتْبِيِّ، وَعَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ يَجِبُ أَنْ يَجْرِيَ الْقَوْلُ فِي الْخُلْعِ وَكُلِّ طَلَاقٍ لَا تَتَعَقَّبُهُ رَجْعَةٌ يُوقِعُهُ الزَّوْجُ بِاخْتِيَارِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(مَسْأَلَةٌ) :
إذَا قُلْنَا: إنَّهُ يُنَوَّى فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا فَإِنَّهُ يَحْلِفُ أَنَّهُ مَا أَرَادَ إلَّا وَاحِدَةً فِي الْبَتَّةِ، وَالْبَائِنَةِ، وَالْخَلِيَّةِ، وَالْبَرِيَّةِ قَالَ سَحْنُونٌ: إنَّمَا يَحْلِفُ إذَا أَرَادَ نِكَاحَهَا وَلَيْسَ عَلَيْهِ يَمِينٌ قَبْلَ إرَادَةِ النِّكَاحِ وَنَحْوِهِ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِيَمِينِهِ قَبْلَ ذَلِكَ الْوَقْتِ، إنَّمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ عِنْدَ النِّكَاحِ لَمَّا يُرِيدُ مِنْ اسْتِبَاحَتِهَا فَيَحْلِفُ لِيَتَوَصَّلَ بِذَلِكَ إلَى اسْتِبَاحَتِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[مَا جَاءَ فِي الْخَلِيَّةِ وَالْبَرِيَّةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ]
(ش) : قَوْلُهُ: إنَّهُ كُتِبَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مِنْ الْعِرَاقِ عَلَى حَسَبِ مَا يَلْزَمُ مِنْ مُطَالَعَةِ رَأْيِ الْإِمَامِ الْعَلِيمِ بِمَا يَقَعُ لِلنَّاسِ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي لَمْ يَتَقَدَّمْ فِيهَا قَوْلٌ أَوْ تَقَدَّمَ فِيهَا الْخِلَافُ وَفِيهَا إشْكَالٌ وَلَمْ تُقَرَّرْ أَحْكَامُهَا بَعْدُ وَلَا اتَّضَحَ وَجْهُ الْحُكْمِ فِيهَا فَكَتَبَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ الْعِرَاقِ فِي الرَّجُلِ الَّذِي قَالَ لِامْرَأَتِهِ: حَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إلَى عَامِلِهِ يَأْمُرُهُ أَنْ يُوَافِيَهُ فِي الْمَوْسِمِ، وَهَذَا مِمَّا يَجِبُ

الصفحة 7