كتاب المنتقى شرح الموطإ (اسم الجزء: 4)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «قَدْ نَزَلَ فِيك وَفِي صَاحِبَتِك قُرْآنٌ فَاذْهَبْ فَائِتِ بِهَا» يَقْتَضِي أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ عَرَفَ أَنَّهُ صَاحِبُ الْمَسْأَلَةِ وَلَعَلَّ ذَلِكَ كَانَ بِالْوَحْيِ الَّذِي أُنْزِلَ فِي قِصَّتِهِمَا فَأُعْلِمَ فِيهِ أَنَّ السَّائِلَ، وَإِنْ كَانَ وَرَّى فَلَمْ يُضِفْ الْأَمْرَ إلَى نَفْسِهِ، فَإِنَّهُ صَاحِبُ ذَلِكَ، وَالْمُبْتَلَى بِهِ فَأَعْلَمَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَدْ أُنْزِلَ فِيهِ وَفِي صَاحِبَتِهِ بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ أُوحِيَ إلَيْهِ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مِمَّا لَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْهَا وَمِمَّا يَجِبُ أَنْ يُبَاحَ لَهُمْ السُّؤَالُ عَنْهَا، أَوْ يَكُونَ ظَهَرَ ذَلِكَ إلَيْهِ قَبْلَ الْوَحْيِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُ سَهْلٍ فَتَلَاعَنَا، وَأَنَا مَعَ النَّاسِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ سُنَّةِ اللِّعَانِ الِاسْتِتَارُ بِهِ بَلْ مِنْ سُنَّتِهِ إحْضَارُ النَّاسِ لَهُ لِيَشْتَهِرَ أَمْرُهُ بِلُحُوقِ النَّسَبِ بِالزَّوْجِ أَوْ انْتِقَالِهِ عَنْهُ وَلَا يَكُونُ إلَّا عِنْدَ الْإِمَامِ، أَوْ الْحَاكِمِ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ يَفْتَقِرُ إلَى حَاكِمٍ بِهِ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
، وَهُوَ جَائِزٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنْ أَوْقَاتِ النَّهَارِ قَالَهُ مَالِكٌ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ حُكْمٌ فَلَمْ يَخْتَصَّ بِوَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَيَكُونُ بِأَثَرِ صَلَاةٍ قَالَ مَالِكٌ وَبِأَثَرِ مَكْتُوبَةٍ أَحَبُّ إلَيَّ، وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ عِنْدَنَا بَعْدَ الْعَصْرِ وَلَمْ يَكُنْ سُنَّةً يُرِيدُ أَنَّهَا يَمِينٌ تَقْتَضِي التَّغْلِيظَ فَغُلِّظَتْ بِالْوَقْتِ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «ثَلَاثٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: رَجُلٌ كَانَ لَهُ فَضْلُ مَاءٍ بِالطَّرِيقِ يَمْنَعُهُ مِنْ ابْنِ السَّبِيلِ، وَرَجُلٌ بَايَعَ إمَامًا لَا يُبَايِعُهُ إلَّا بِدُنْيَا، فَإِنْ أَعْطَاهُ مِنْهَا رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ مِنْهَا سَخِطَ، وَرَجُلٌ أَقَامَ سِلْعَتَهُ بَعْدَ الْعَصْرِ فَقَالَ: وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ لَقَدْ أُعْطِيتُ بِهَا كَذَا، وَكَذَا فَصَدَّقَهُ» وَفِي ذَلِكَ فَائِدَةُ اجْتِمَاعِ النَّاسِ مَعَ الِانْصِرَافِ مِنْ عِبَادَةٍ تُذَكِّرُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَتَنْهَى عَنْ الْبَاطِلِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: 45] وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونِ: لَا يَكُونُ إلَّا بِأَثَرِ صَلَاةٍ وَفِي مَقْطَعِ الْحُقُوقِ فَكَأَنَّهُ جَعَلَ ذَلِكَ شَرْطًا كَالْمَكَانِ، وَأَمَّا التَّغْلِيظُ بِالْمَكَانِ، فَإِنَّهَا يَمِينٌ فِيمَا لَهُ بَالٌ يَحْتَاجُ إلَى التَّغْلِيظِ فَكَانَ مِنْ شَرْطِهَا أَنْ تُغَلَّظَ بِالْمَكَانِ كَالْيَمِينِ فِي الْحُقُوقِ وَعَلَيْهِ جَمَاعَةُ الْعُلَمَاءِ.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَتَلَاعَنَا فِي الْمَسْجِدِ، وَأَنَا شَاهِدٌ، وَأَمَّا الْيَهُودِيَّةُ، وَالنَّصْرَانِيَّةُ فَتُلَاعِنُ بِحَيْثُ تُعَظِّمُهُ مِنْ الْبِيَعِ، وَالْكَنَائِسِ قَالَهُ مَالِكٌ.
(فَرْعٌ) : فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ عُذْرٌ يَمْنَعُ مِنْ دُخُولٍ يَقْطَعُ الْحَقَّ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ انْقِضَاؤُهُ مُعْتَادًا كَالْحَيْضِ، أَوْ لَا يَكُونَ مُعْتَادًا كَالْمَرَضِ، فَإِنْ كَانَتْ حَائِضًا لَاعَنَ هُوَ لِمَا يُرِيدُ مِنْ الِاسْتِعْجَالِ وَيَخَافُ أَنْ يَنْزِلَ بِهِ مَانِعٌ مِنْ اللِّعَانِ هَذَا الَّذِي قَالَهُ أَصْحَابُنَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَلْزَمَهُ ذَلِكَ لِيَدْرَأَ عَنْ نَفْسِهِ الْحَدَّ وَتُؤَخِّرَ هِيَ إلَى أَنْ تَطْهُرَ فَتَلَاعَنَ، فَإِنْ كَانَ مَرِيضًا، وَكَانَتْ مَرِيضَةً أَرْسَلَ الْإِمَامُ إلَى الْمَرِيضِ مِنْهُمَا عُدُولًا رَوَاهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ حُكْمٌ مِنْ سُنَّتِهِ التَّعْجِيلُ، وَالْمَرَضُ لَا يُدْرَى لَهُ غَايَةٌ فَسَقَطَ الْمَكَانُ بِالتَّعْجِيلِ لِلضَّرُورَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ: فَلَمَّا فَرَغَا مِنْ تَلَاعُنِهِمَا يُرِيدُ أَكْمَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ ذَلِكَ مَا يَجِبُ فِي حَقِّهِ قَالَ عُوَيْمِرٌ: كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ أَمْسَكْتهَا يُرِيدُ أَنَّهُ إنْ أَمْسَكَهَا بَعْدَ مَا عَلِمَ وَتَيَقَّنَ مِنْ حَالِهَا فَالْمُوجِبُ لِلِعَانِهَا فَهُوَ كَاذِبٌ عَلَيْهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُبَيِّنُ كَذِبَهُ، وَهُوَ كَمَا قَالَ: إنَّ مَنْ زَعَمَ أَنَّ زَوْجَتَهُ قَدْ زَنَتْ وَثَبَتَ فِي حَقِّهَا اللِّعَانُ إمَّا بِرُؤْيَةٍ، أَوْ قَذْفٍ أَوْ انْتِفَاءٍ مِنْ حَمْلٍ ثُمَّ ظَهَرَ مِنْهُ مِنْ الْبَقَاءِ عَلَى ذَلِكَ، وَالسُّكُوتِ عَنْهُ طَوِيلَ الْمُدَّةِ، أَوْ وَطْئِهَا أَوْ الِالْتِذَاذِ بِهَا مَا يَدُلُّ عَلَى إمْسَاكِهِ لَهَا، فَإِنَّهُ يَبْطُلُ حَقُّهُ مِنْ اللِّعَانِ وَيَتَبَيَّنُ بِمَا فَعَلَهُ كَذِبُهُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ، وَهُوَ الَّذِي قَالَهُ مَالِكٌ وَجَمَاعَةُ أَصْحَابِنَا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَقُولَ: إنِّي أَحْكُمُ عَلَى نَفْسِي بِحُكْمِ الْكَاذِبِ إنْ أَمْسَكْتهَا كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ: أَنَا فَاسِقٌ إنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا، وَأَنَا ظَالِمٌ إنْ تَرَكْت حَقِّي وَمَا جَرَى مَجْرَى ذَلِكَ

الصفحة 72