كتاب المنتقى شرح الموطإ (اسم الجزء: 4)
(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَجُلًا لَاعَنَ امْرَأَتَهُ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَانْتَفَى مِنْ وَلَدِهَا فَفَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُمَا وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالْمَرْأَةِ» )
ـــــــــــــــــــــــــــــQسُنَّةِ الْمُتَلَاعِنَيْنِ أَنَّهُمَا لَا يَتَنَاكَحَانِ أَبَدًا، وَهُوَ الَّذِي قَالَهُ عِيسَى: لَا تَأْثِيرَ لَهُ وَلَا يَتَعَلَّقُ لَهُ حُكْمٌ أَكْثَرُ مِنْ ظِهَارِ الزَّوْجِ مَا يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ مِنْ الْإِصْرَارِ عَلَى مُفَارَقَتِهَا، وَالْإِبْعَادِ لَهَا وَإِظْهَارِ مَعْرِفَتِهِ بِمَا يَقْتَضِيهِ اللِّعَانُ مِنْ التَّحْرِيمِ وَيَقْتَدِي فِي ذَلِكَ بِمَا فَعَلَهُ أَحَدُ الصَّحَابَةِ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَعْنَى اللِّعَانِ أَلَا تَرَى أَنَّ سُكُوتَهُ عَنْهَا بَعْدَ عِلْمِهِ دَلِيلٌ عَلَى كَذِبِهِ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَأْتِيَ مِنْ ذَلِكَ بِمَا يُؤَكِّدُ صِدْقَهُ.
(فَصْلٌ) :
قَوْلُ ابْنِ شِهَابٍ: فَكَانَتْ تِلْكَ سُنَّةَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ يُرِيدُ أَنَّ الْفُرْقَةَ بَيْنَهُمَا سُنَّةٌ ثَابِتَةٌ بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ اسْتِحْبَابَ إظْهَارِ الطَّلَاقِ بَعْدَ اللِّعَانِ عَلَى مَا قَالَهُ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ وُقُوعَ الْفُرْقَةِ بَيْنَهُمَا بِانْقِضَاءِ اللِّعَانِ وَتَأْبِيدِ التَّحْرِيمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
(ش) : قَوْلُهُ: إنَّ رَجُلًا لَاعَنَ امْرَأَتَهُ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَانْتَفَى مِنْ وَلَدِهَا يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ انْتِفَاءَهُ مِنْ وَلَدِهَا كَانَ سَبَبَ اللِّعَانِ وَالْمَعْنَى الثَّانِي: أَنَّهُ لَاعَنَهَا بِدَعْوَى ادَّعَاهَا مِنْ رُؤْيَةٍ، أَوْ غَيْرِهَا فَلَاعَنَ لِذَلِكَ وَانْتَفَى مِنْ وَلَدِهَا فَأَمَّا نَفْيُ الْوَلَدِ، فَإِنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهُ يَجِبُ بِهِ اللِّعَانُ، وَإِنْ عَرَا عَنْ الْقَذْفِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُلَاعِنُ حَتَّى يَقْتَرِنَ بِهِ الْقَذْفُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ ضَرُورَتَهُ إلَى نَفْيِ الْوَلَدِ أَشَدُّ مِنْ ضَرُورَتِهِ إلَى قَذْفِهَا؛ لِأَنَّ بِهِ حَاجَةً إلَى أَنْ يُزِيلَ عَنْ نَفْسِهِ نَسَبًا لَيْسَ مِنْهُ، وَذَلِكَ يَصِحُّ بِنَفْيِ الْوَلَدِ أَكْثَرُ مِمَّا يَصِحُّ بِالْقَذْفِ، فَإِذَا جَازَ لَهُ أَنْ يُلَاعِنَ بِالْقَذْفِ لِحَاجَتِهِ إلَيْهِ فَلَأَنْ يُلَاعِنَ لِنَفْيِ الْحَمْلِ وَحَاجَتُهُ آكَدُ أَوْلَى وَأَحْرَى.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) وَنَفْيُ الْوَلَدِ يَكُونُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَظْهَرَ بِهَا حَمْلٌ فَيَنْفِيهِ، وَالثَّانِي أَنْ تَلِدَ وَلَدًا فَيَنْفِيهِ فَأَمَّا ظُهُورُ الْحَمْلِ، فَإِنَّ الزَّوْجَ إذَا رَآهُ، فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ يُقِرَّ بِهِ، أَوْ يَنْفِيَهُ، أَوْ يَسْكُتَ، فَإِنْ أَقَرَّ بِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَنْفِيَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنْ نَفَاهُ حُدَّ، وَأَمَّا إنْ نَفَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَدَّعِيَ اسْتِبْرَاءً، أَوْ لَا يَدَّعِيَهُ، فَإِنْ ادَّعَى اسْتِبْرَاءً فَلَا خِلَافَ أَنَّ لَهُ الْمُلَاعَنَةَ، وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ اسْتِبْرَاءً فَهَلْ يُلَاعِنُ، أَوْ يُحَدُّ قَالَ مَالِكٌ فِي كِتَابِ الْحَمْلِ: لَيْسَ لَهُ نَفْيُ الْحَمْلِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الِاسْتِبْرَاءَ، وَهُوَ فِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْهُ وَبِهِ قَالَ الْمَخْزُومِيُّ وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: جُلُّ رُوَاةِ مَالِكٍ عَلَى مُرَاعَاةِ الِاسْتِبْرَاءِ، وَقَدْ قَالَ بِهِ ابْنُ الْقَاسِمِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ نَافِعٍ: يُلَاعِنُ، وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ اسْتِبْرَاءً وَرَوَاهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ، وَجْهُ رِوَايَةِ أَشْهَبَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَدَّعِ الِاسْتِبْرَاءَ لَمْ يَصِحَّ مِنْهُ نَفْيُ الْحَمْلِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ وَلَدَهُ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ الْمُلَاعَنَةَ تَصِحُّ مِنْهُ بِغَيْرِ الِاسْتِبْرَاءِ وَيَدْرَأُ عَنْ نَفْسِهِ الْحَدَّ بِذَلِكَ وَيَحْصُلُ مِنْ نَفْيِ الْوَلَدِ مَعَ ذَلِكَ مَا هُوَ أَعْلَمُ بِهِ.
(فَرْعٌ) : فَإِذَا قُلْنَا: إنَّهُ يُرَاعِي الِاسْتِبْرَاءَ فَكَمْ يُجْزِئُ مِنْهُ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ يُجْزِئُ مِنْهُ حَيْضَةٌ وَاحِدَةٌ وَرَوَى عَبْدُ الْمَلِكِ عَنْ مَالِكٍ ثَلَاثَةَ أَقْرَاءٍ وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ هَاهُنَا إنَّمَا يُقْصَدُ بِهِ تَحَقُّقُ نَفْيِ الْحَمْلِ وَوُجُودُ وَجْهٍ يَقْتَضِيهِ، وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالْحَيْضَةِ الْوَاحِدَةِ كَاسْتِبْرَاءِ الْأَمَةِ؛ لِأَنَّ هَذَا الِاسْتِبْرَاءَ لَيْسَ بِعِدَّةٍ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ عَدَدُ الْأَقْرَاءِ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ اسْتِبْرَاءٌ لِحُرَّةٍ فَاعْتُبِرَ فِيهِ بِعَدَدِ الْأَقْرَاءِ كَالْعِدَّةِ.
(فَرْعٌ) : وَإِذَا قُلْنَا بِنَفْيِ الِاسْتِبْرَاءِ فَقَالَ: قَدْ كُنْتُ أَطَأُ وَلَا أَدْرِي هَلْ هُوَ مِنِّي فَلَاعَنَ لِمَا ادَّعَاهُ مِنْ الزِّنَا فَاخْتَلَفَ فِي هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابُهُ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ أَنَّهُ مَنْفِيٌّ بِاللِّعَانِ، وَإِنْ كَانَتْ بَيِّنَةُ الْحَمْلِ، وَهَذَا إغْرَاقٌ وَاَلَّذِي أَخَذَ بِهِ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ بَيِّنَةُ الْحَمْلِ أَوْ أَتَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَهُوَ بِهِ لَاحِقٌ، وَإِنْ كَانَ لَاعَنَ عَلَى غَيْرِ هَذَا فَهُوَ مَنْفِيٌّ بِاللِّعَانِ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَشْهَبُ: إنْ لَاعَنَ بِرُؤْيَةٍ ثُمَّ ظَهَرَ حَمْلٌ فَهُوَ بِهِ لَاحِقٌ وَلَا يَنْفِيهِ إلَّا بِلِعَانٍ مُدَّعٍ فِيهِ اسْتِبْرَاءً
الصفحة 74
308