كتاب المنتقى شرح الموطإ (اسم الجزء: 4)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (مَسْأَلَةٌ) :
الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْحَامِلَ تُلَاعِنُ إذَا نَفَى الزَّوْجُ حَمْلَهَا وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ مِنْ أَصْحَابِنَا: لَا لِعَانَ بَيْنَهُمَا وَلَا قَذْفَ حَتَّى تَضَعَ إذْ لَعَلَّهُ لَا حَمْلَ بِهَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ.
وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور: 6] الْآيَةَ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ حَالِ الْحَمْلِ وَبُعْدِ الْوَضْعِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ كُلَّ نَسَبٍ جَازَ إسْقَاطُهُ بِاللِّعَانِ بَعْدَ انْفِصَالِ الْوَلَدِ جَازَ إسْقَاطُهُ قَبْلَهُ كَالْفِرَاشِ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ مَا احْتَجَّ بِهِ عَبْدُ الْمَلِكِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَتَيَقَّنُ حَمْلَهَا فَيَنْفِيهِ وَلَا يَتَيَقَّنُ زِنَاهَا بِالْتِعَانِهِ إنْ نَكَلَتْ وَلِجَوَازِ أَنْ لَا يَكُونَ ثَمَّ حَمْلٌ.
(فَرْعٌ) : فَإِنْ قُلْنَا بِرِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَتَلَاعَنَا ثُمَّ انْفَشَّ الْحَمْلُ لَمْ يُحَدَّ الزَّوْجُ وَلَمْ تَحِلَّ لَهُ أَبَدًا قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ حُكْمَ اللِّعَانِ قَدْ ثَبَتَ بَيْنَهُمَا فَلَا يَزُولُ التَّحْرِيمُ بِمَا يَتَبَيَّنُ بِهِ الْكَذِبُ كَمَا لَوْ أَقَرَّ الزَّوْجُ بِالْحَمْلِ.
1 -
(فَرْعٌ) وَمَنْ أَنْكَرَ وَلَدَهُ بِالْعَزْلِ لَحِقَ الْوَلَدُ بِهِ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ وَطِئَ فِي مَوْضِعٍ يُمْكِنُ وُصُولُ الْمَاءِ مِنْهُ إلَى الْفَرْجِ وَكَذَلِكَ الدُّبُرُ، فَإِنَّ الْمَاءَ يَخْرُجُ مِنْهُ إلَى الْفَرْجِ حَكَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ فَأَمَّا الْعَزْلُ فَوَجْهُهُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَسْبِقُهُ مِنْ الْمَاءِ مَا لَا يَشْعُرُ بِهِ قَبْلَ الْعَزْلِ فَيَكُونُ مِنْهُ الْوَلَدُ، وَأَمَّا لَوْ وَطِئَ فِي غَيْرِ الْفَرْجِ، فَإِنَّهُ يَبْعُدُ عِنْدِي أَنْ يُخْلَقَ مِنْهُ وَلَدٌ، وَلَوْ صَحَّ هَذَا لَمَا جَازَ أَنْ تُحَدَّ امْرَأَةٌ ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ وَلَا زَوْجَ لَهَا وَلَا سَيِّدَ، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ وَطْءٍ فِي غَيْرِ فَرْجٍ فَلَا يَجِبُ بِهِ رَجْمٌ وَلَا حَدٌّ، وَإِنْ وَجَبَتْ بِهِ عُقُوبَةٌ، أَوْ يَكُونُ مَا أَنْزَلَهُ رَجُلٌ مِنْ غَيْرِ وَطْئِهَا فَوَصَلَ إلَى فَرْجِهَا وَلَمَّا أَجْمَعُوا عَلَى إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهَا اقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ الْمَاءَ الَّذِي يَخْلُو مِنْهُ الْوَلَدُ إنَّمَا هُوَ مَا يَخْرُجُ بَعْدَ الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ، وَأَنَّهُ قَدْ يَلْتَقِي الْخِتَانَانِ قَبْلَ الِافْتِضَاضِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَأَمَّا إذَا قَذَفَهَا بِزِنًا وَقَالَ: قَدْ وَطِئْتُهَا قَبْلَ ذَلِكَ وَلَمْ اسْتَبْرِئْهَا حَتَّى رَأَيْتهَا تَزْنِي فَهَذَا عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ إذَا لَاعَنَ لِلرُّؤْيَةِ يَنْتَفِي الْوَلَدُ إلَّا أَنْ تَكُونَ ظَاهِرَةَ الْحَمْلِ يَوْمَ ادَّعَى الرُّؤْيَةَ أَوْ أَتَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَيُلْحَقُ بِهِ وَيَقْتَضِي مَذْهَبُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ يُلَاعِنُ لِلرُّؤْيَةِ وَدَفْعِ الْحَدِّ عَنْهُ وَلَا يَنْتَفِي بِذَلِكَ الْوَلَدُ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَإِنَّمَا لَهُ إنْكَارُ الْحَمْلِ وَنَفْيُهُ حِينَ عَلِمَ بِهِ، أَوْ عَلِمَ بِالْوِلَادَةِ، وَأَمَّا إنْ عَلِمَ بِذَلِكَ ثُمَّ أَقَامَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ لَا يُنْكِرُ فَلَا إنْكَارَ لَهُ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ عُذْرٌ فِي تَرْكِ الْإِنْكَارِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَهُ إنْكَارُهُ بَعْدَ الْوَضْعِ بِيَوْمٍ، أَوْ يَوْمَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَنْفِهِ حَتَّى مَضَتْ سَنَةٌ، أَوْ سَنَتَانِ ثُمَّ نَفَاهُ لَاعَنَ وَلَحِقَ بِهِ الْوَلَدُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّهُ قَدْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ بِالْإِمْسَاكِ عَنْ الْإِنْكَارِ وَكَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ إذَا ادَّعَى رُؤْيَةً قَدِيمَةً ثُمَّ قَامَ الْآنَ بِهَا أَنْ لَا يُقْبَلَ قَوْلُهُ وَيُحَدَّ؛ لِأَنَّ سُكُوتَهُ عَنْ إنْكَارِهِ ذَلِكَ، وَالْقِيَامِ بِهِ حِينَ رَآهُ دَلِيلٌ عَلَى كَذِبِهِ وَيُحَدُّ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
وَأَمَّا نَفْيُ وَلَدِهِ فَهُوَ أَنْ يَقْدُمَ مِنْ سَفَرِهِ فَيَجِدَ امْرَأَتَهُ قَدْ وَلَدَتْ، أَوْ ادَّعَتْ وَلَدًا فَيَنْفِيَهُ، وَذَلِكَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَقُولَ: لَمْ تَلِدِيهِ وَلَيْسَ بِوَلَدِك، وَالثَّانِي أَنْ يَقُولَ: وَلَدْتِيهِ وَلَكِنْ لَيْسَ مِنِّي؛ فَأَمَّا الْأَوَّلُ، فَإِذَا قَالَ: لَمْ تَلِدِيهِ جُمْلَةً وَقَالَتْ هِيَ: وَلَدْته مِنْك قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: هُوَ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَنْفِيَهُ بِلِعَانٍ وَقَالَ أَشْهَبُ: الْمَرْأَةُ مُصَدَّقَةٌ وَلَا لِعَانَ فِيهِ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ نَفْيَ الْوَلَدِ مِنْهُ فَيُلَاعِنُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ نَكَلَ بَعْدَ أَنْ نَفَاهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَلَمْ يُلَاعِنْ لَمْ يُحَدَّ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَأَمَّا إنْ قَالَ: وَلَدْتِيهِ وَلَيْسَ مِنِّي فَقَدْ قَالَ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ غَابَ عَنْ زَوْجَتِهِ عَشَرَةَ أَعْوَامٍ أَوْ أَكْثَرَ ثُمَّ قَدِمَ فَوَجَدَهَا قَدْ وَلَدَتْ أَوْلَادًا فَأَنْكَرَهُمْ وَقَالَتْ هِيَ: هُمْ مِنْهُ كَانَ يَأْتِينِي فِي السِّرِّ لَمْ يَنْفِهِمْ إلَّا بِلِعَانٍ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ» ، فَإِذَا كَانَ الْفِرَاشُ لَهُ مَعَ غَيْبَتِهِ فَمَا وُلِدَ فِيهِ لَاحِقٌ بِهِ وَلَازِمٌ لَهُ وَلَا يَنْتَفِي مَنْ وُلِدَ فِيهِ إلَّا بِلِعَانٍ.
1 -
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ: فَفَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُمَا لَمْ يُرِدْ بِهِ أَنَّهُ أَوْقَعَ الْفُرْقَةَ بَيْنَهُمَا، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ أَعْلَمَهُمَا بِحُكْمِهِمَا، وَأَنَّ حُكْمَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ انْقِطَاعُ الْعِصْمَةِ بَيْنَهُمَا وَتَأْبِيدُ التَّحْرِيمِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ
الصفحة 75
308