كتاب المنتقى شرح الموطإ (اسم الجزء: 4)

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ: السُّنَّةُ عِنْدَنَا أَنَّ الْمُتَلَاعِنَيْنِ لَا يَتَنَاكَحَانِ أَبَدًا، وَإِنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ جُلِدَ الْحَدَّ وَأُلْحِقَ بِهِ الْوَلَدُ وَلَمْ تَرْجِعْ إلَيْهِ أَبَدًا قَالَ: وَعَلَى هَذَا أَنَّ السُّنَّةَ عِنْدَنَا الَّتِي لَا شَكَّ فِيهَا وَلَا اخْتِلَافَ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَصْبَغُ يَقُولُ كَالْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ ثُمَّ يَقُولُ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ فِي الْخَامِسَةِ إنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ ثُمَّ تَقُولُ هِيَ: أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ مَا رَآنِي أَزْنِي ثُمَّ تُخَمِّسُ بِالْغَضَبِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَيَقُولُ فِي نَفْيِ الْحَمْلِ: أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ مَا هَذَا الْحَمْلُ مِنِّي قَالَ أَصْبَغُ: وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَزِيدَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَلَزَنَتْ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَتَقُولُ هِيَ: أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ وَمَا زَنَيْتُ قَالَ أَصْبَغُ: وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ تَزِيدَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ، وَإِنَّهُ لَمِنْهُ ثُمَّ تُخَمِّسُ بِالْغَضَبِ قَالَ أَصْبَغُ: فَإِنْ قَالَ هُوَ فِي الْخَامِسَةِ مَكَانَ إنْ كُنْتُ مِنْ الْكَاذِبِينَ إنْ كُنْتُ كَذَبْتُهَا أَجْزَأَهُ، وَلَوْ قَالَتْ الْمَرْأَةُ فِي الْخَامِسَةِ مَكَانَ إنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ: إنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ أَجْزَأَهَا وَأَحَبُّ إلَيَّ لَفْظُ الْقُرْآنِ وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ يَقُولُ هُوَ فِي الْأَرْبَعَةِ: أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ وَفِي الْخَامِسَةِ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ وَتَقُولُ هِيَ: أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ وَفِي الْخَامِسَةِ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ فَكَأَنَّ أَصْبَغَ أَشَارَ إلَى أَنَّ لَفْظَ اللِّعَانِ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ، وَأَنَّ لَهُمَا أَنْ يَأْتِيَا بِأَيِّ لَفْظٍ شَاءَا وَرَأْيُ الْإِمَامِ إذَا كَانَ مُوَافِقًا لِلْمَعْنَى إلَّا أَنَّ لَفْظَ الْقُرْآنِ أَفْضَلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّ لَفْظَهُ مُتَعَيِّنٌ بِلَفْظِ الْقُرْآنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(ش) : قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: السُّنَّةُ عِنْدَنَا يُرِيدُ مَا رُسِمَ عِنْدَهُمْ وَأُثْبِتَ مِنْ حُكْمِ الْمُتَلَاعِنَيْنِ أَنْ لَا يَتَنَاكَحَا أَبَدًا؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَ اللِّعَانِ مُؤَبَّدٌ.
وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ: فُرْقَةُ الْمُتَلَاعِنَيْنِ فَسْخٌ وَفَائِدَةُ ذَلِكَ أَنَّ التَّحْرِيمَ مُؤَبَّدٌ، وَلَوْ كَانَ طَلَاقًا لَمْ يَتَأَبَّدُوا إنَّمَا يَتَأَبَّدُ تَحْرِيمُ الْفَسْخِ كَالرَّضَاعِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا عِنْدِي لَيْسَ بِالْبَيِّنِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْفَسْخَ لَا يَتَأَبَّدُ لِنَفْسِهِ فَقَدْ يُفْسَخُ النِّكَاحُ الْفَاسِدُ ثُمَّ يَتَنَاكَحَانِ بَعْدُ، وَإِنَّمَا يَتَأَبَّدُ التَّحْرِيمُ، أَوْ لَا يَتَأَبَّدُ لِمُوجِبِهِ الَّذِي أَوْجَبَ تَأْبِيدَ التَّحْرِيمِ فِي الرَّضَاعِ لِلرَّضَاعِ نَفْسِهِ دُونَ الْفَسْخِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وُجِدَ الرَّضَاعُ قَبْلَ الْفَسْخِ لَتَأَبَّدَ التَّحْرِيمُ، وَهَذَا حُكْمُ اللِّعَانِ الَّذِي هُوَ مُوجِبٌ لِلتَّحْرِيمِ الْمُؤَبَّدِ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَى «سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ عَنْ حَدِيثِ الْمُتَلَاعِنَيْنِ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَدُكُمَا كَاذِبٌ لَا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا» ، وَهَذَا يَقْتَضِي التَّأْبِيدَ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا حَكَمْنَا بِكَوْنِهِ فَسْخًا؛ لِأَنَّهُمَا مَغْلُوبَانِ عَلَى الْفُرْقَةِ مِنْ غَيْرِ إيقَاعِ مُوقِعٍ، وَالطَّلَاقُ لَا يَكُونُ إلَّا بِإِيقَاعٍ مُطْلَقٍ، وَوَجْهٌ ثَانٍ أَنَّهُمَا مَغْلُوبَانِ عَلَى الْفُرْقَةِ مِنْ غَيْرِ فَسَادِ عَقْدِ النِّكَاحِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ فَسْخًا؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يُغْلَبَانِ عَلَى إيقَاعِهِ إلَّا لِفَسَادٍ فِي الْعَقْدِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ فَلَا يُغْلَبَانِ عَلَيْهِ وَمَا غُلِبَ عَلَيْهِ فَهُوَ فَسْخٌ بِكُلِّ وَجْهٍ.
1 -
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ: وَإِنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ جُلِدَ الْحَدَّ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ أَكْذَبَ نَفْسَهُ وَأَبْطَلَ مَا كَانَ لَهُ مِنْ اللِّعَانِ وَصَارَ قَذْفُهُ لَهَا ظُلْمًا فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ، فَإِنْ قَذَفَهَا ثَانِيًا بَعْدَ أَنْ حُدَّ لَهَا فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: يُحَدُّ إلَّا أَنْ يُلَاعِنَ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: يُحَدُّ وَلَا يُلَاعِنُ فَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ إلَى اللِّعَانِ بَعْدَ تَقْرِيرِ الْحَدِّ عَلَيْهِ وَقَوْلُ عَبْدِ الْمَلِكِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ: يُلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْوَلَدَ لَاحِقٌ بِهِ إذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ اللِّعَانِ، أَوْ بَعْدَهُ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ أَنْ يُلَاعِنَ الزَّوْجُ حُدَّ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُلَاعِنَ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ أَنْ لَاعَنَ هُوَ وَقَبْلَ أَنْ تُلَاعِنَ هِيَ جُلِدَ الْحَدَّ وَسَقَطَ عَنْهَا اللِّعَانُ وَيُلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِنَفَقَةِ الْحَمْلِ وَأَجْرِ الرَّضَاعِ وَنَفَقَتُهَا بَعْدَ ذَلِكَ إنْ كَانَ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ مَلِيًّا.
1 -
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ: وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ أَبَدًا يُرِيدُ أَنَّ إكْذَابَهُ نَفْسَهُ بَعْدَ اللِّعَانِ لَا يَرْفَعُ التَّحْرِيمَ الْوَاقِعَ بَيْنَهُمَا

الصفحة 78