كتاب المنتقى شرح الموطإ (اسم الجزء: 4)
(ص) : (قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا فَارَقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ طَلَاقًا بَائِنًا لَيْسَ لَهُ عَلَيْهَا فِيهِ رَجْعَةٌ ثُمَّ أَنْكَرَ حَمْلَهَا لَاعَنَهَا إذَا كَانَتْ حَامِلًا وَكَانَ حَمْلُهَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ إذَا ادَّعَتْهُ مَا لَمْ يَأْتِ دُونَ ذَلِكَ مِنْ الزَّمَانِ الَّذِي يَشُكُّ فِيهِ فَلَا يَعْرِفُ أَنَّهُ مِنْهُ قَالَ: فَهَذَا الْأَمْرُ عِنْدَنَا وَاَلَّذِي سَمِعْت مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا قَذَفَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ بَعْدَ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا وَهِيَ حَامِلٌ يُقِرُّ بِحَمْلِهَا ثُمَّ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَآهَا تَزْنِي قَبْلَ أَنْ يُفَارِقَهَا جُلِدَ الْحَدَّ وَلَمْ يُلَاعِنْهَا، فَإِنْ أَنْكَرَ حَمْلَهَا بَعْدَ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا لَاعَنَهَا قَالَ: وَهُوَ الَّذِي سَمِعْت) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQبِاللِّعَانِ وَلَا يَخْلُو أَنْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ قَبْلَ إتْمَامِ اللِّعَانِ، أَوْ بَعْدَهُ، فَإِنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ قَبْلَ إتْمَامِ اللِّعَانِ، وَقَدْ بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ لِعَانِهَا قَالَ مَالِكٌ: يَحُدُّوهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا؛ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ اللِّعَانَ لَمْ يَتِمَّ بَعْدُ فَهُمَا عَلَى حُكْمِ الزَّوْجِيَّةِ بَيْنَهُمَا بِتَمَامِ اللِّعَانِ، وَإِنَّمَا تَنْفَصِمُ الزَّوْجِيَّةُ بَيْنَهُمَا بِتَمَامِ اللِّعَانِ فَمَتَى كَانَ اللِّعَانُ بَيْنَهُمَا فَقَدْ بَانَتْ مِنْهُ وَتَأَبَّدَ تَحْرِيمُهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ أَبَدًا وَإِنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَرْتَفِعُ التَّحْرِيمُ وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الْمُتَقَدِّمُ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِلزَّوْجِ مِنْ الْمُتَلَاعِنَيْنِ: لَا سَبِيلَ لَك عَلَيْهَا» وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّهُ تَحْرِيمٌ لَا يَرْتَفِعُ بِزَوْجٍ وَإِصَابَةٍ فَكَانَ مُؤَبَّدًا كَتَحْرِيمِ الرَّضَاعِ.
(ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ أَنَّ الْمُطَلِّقَ لِزَوْجَتِهِ طَلَاقًا بَائِنًا لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ بِهَا حَمْلٌ ظَاهِرٌ، أَوْ لَا يَكُونَ بِهَا حَمْلٌ، فَإِنْ كَانَ بِهَا حَمْلٌ ظَاهِرٌ فَأَنْكَرَهُ؛ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَنْفِيَهُ بِاللِّعَانِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ أَنْ يَنْفِيَ عَنْ نَفْسِهِ نَسَبًا لَيْسَ مِنْهُ كَمَا لَوْ لَمْ يُطَلِّقْ وَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ نَفَى الْحَمْلَ وَادَّعَى رُؤْيَةَ زِنًا أَوْ لَمْ يَدَّعِ ذَلِكَ، فَإِنْ ادَّعَى رُؤْيَةَ الزِّنَا لَمْ يَخْلُ أَنْ يَدَّعِيَ الِاسْتِبْرَاءَ، أَوْ لَا يَدَّعِيَهُ، فَإِنْ ادَّعَى الِاسْتِبْرَاءَ، وَالرُّؤْيَةَ وَنَفْيَ الْحَمْلِ فَالظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُلَاعِنُ، وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ اسْتِبْرَاءً وَادَّعَى رُؤْيَةً وَنَفْيَ الْحَمْلِ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ فِي الَّذِي يُطَلِّقُ طَلَاقًا بَائِنًا وَقَالَ: رَأَيْتهَا تَزْنِي يُرِيدُ نَفْيَ مَا تَأْتِي بِهِ مِنْ حَمْلٍ، فَإِنَّهُ لَا يُلَاعِنُ إنْ لَمْ يَدَّعِ اسْتِبْرَاءً، وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ رُؤْيَةً وَادَّعَى اسْتِبْرَاءً، فَإِنَّهُ يُلَاعِنُ وَرَوَى أَبُو الْفَرَجِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ إنْ نَفَى حَمْلَهَا فِي الْعِدَّةِ لَاعَنَ وَلَمْ يُحَدَّ عَلَى الطَّلَاقِ، وَقَدْ شَرَطَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ ادِّعَاءَ الِاسْتِبْرَاءِ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
فَإِنْ لَمْ يَنْفِ الْحَمْلَ وَقَذَفَهَا فِي الْعِدَّةِ مِنْ الطَّلَاقِ الْبَائِنِ فَقَدْ رَوَى أَبُو الْفَرَجِ أَنَّهُ يُحَدُّ وَلَا يُلَاعِنُ؛ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي هَذَا الْوَقْتِ فِي قَذْفِهَا؛ لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ مِنْهُ لَا يَنْفِي حَمْلَهَا، فَإِذَا لَمْ يَنْفِهِ بِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى هَذَا الْقَذْفِ فَلَزِمَهُ الْحَدُّ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهَا حَمْلٌ وَقَالَ فِي عِدَّتِهَا مِنْ الطَّلَاقِ الْبَائِنِ: رَأَيْتهَا تَزْنِي فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ: يُلَاعِنُ وَحَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ: لَا يُلَاعِنُ إلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا وَاحْتَجَّ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّهُ قَذَفَهَا بِوَطْءٍ يَحْتَاجُ إلَى نَفْيِ نَسَبِهِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْفِهِ لَحِقَ بِهِ كَاَلَّذِي لَمْ يُطَلِّقْ وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: يُحَدُّ وَلَا يُلَاعِنُ وَقَالَ الْمُغِيرَةُ لَا يُحَدُّ وَلَا يُلَاعِنُ وَاخْتَارَهُ سَحْنُونٌ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَهَذَا إذَا ادَّعَى أَنَّهُ رَآهَا تَزْنِي فِي الْعِدَّةِ، فَإِنْ قَالَ: رَأَيْتهَا تَزْنِي قَبْلَ الطَّلَاقِ الْبَائِنِ فَفِي كِتَابِ أَبِي الْفَرَجِ يُحَدُّ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ بِهَا حَمْلٌ قَبْلَ أَنْ يُحَدَّ فَيَنْفِيَهُ وَيَدَّعِيَ الِاسْتِبْرَاءَ فَيُلَاعِنَ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَنْظُرَ، فَإِنْ تَبَيَّنَ أَنْ لَا حَمْلَ بِهَا حُدَّ لَهَا، وَإِنْ ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ لَاعَنَ؛ لِأَنَّهُ مِمَّنْ لَا لِعَانَ لَهُ فِي الرُّؤْيَةِ: وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الطَّلَاقَ لَيْسَ فِيهِ إقْرَارٌ بِالسَّلَامَةِ مِنْ الزِّنَا غَيْرَ أَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ: إنَّ الْمُطَلِّقَ بَائِنًا لَا يُلَاعِنُ إلَّا لِنَفْيِ الْحَمْلِ وَلَا يُلَاعِنُ لِلرُّؤْيَةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ أَصْحَابِنَا ابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يُلَاعِنُ وَلَا يُحَدُّ، وَالْخِلَافُ بَيْنَ أَبِي الْفَرَجِ وَابْنِ الْمَوَّازِ فِي تَأَخُّرِ الْحَدِّ بَعْدَ الْقَذْفِ فَأَبُو الْفَرَجِ يَذْهَبُ إلَى أَنَّهُ لَا يُؤَخِّرُ؛ لِأَنَّهُ مَنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ الْقَذْفُ وَادَّعَى الْمَخْرَجَ لَا يُمْهَلُ وَيُعَجَّلُ الْحَدُّ وَابْنُ الْمَوَّازِ يَذْهَبُ إلَى تَأْخِيرِ الْحَدِّ لِلزِّنَا عَلَى الزَّوْجِ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ لِحَاجَةِ الزَّوْجِ إلَى ذَلِكَ دُونَ الْأَجْنَبِيِّ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ وَكَانَ حَمْلُهَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ يُرِيدُ أَنْ تَأْتِيَ بِهِ لِأَمَدِ الْحَمْلِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ لَا بُدَّ أَنْ
الصفحة 79
308