كتاب المنتقى شرح الموطإ (اسم الجزء: 4)
فَطَلَّقَهَا أَلْبَتَّةَ أَوْ تَطْلِيقَةً لَمْ يَكُنْ بَقِيَ لَهُ عَلَيْهَا مِنْ الطَّلَاقِ غَيْرُهَا وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ يَوْمَئِذٍ مَرِيضٌ فَوَرَّثَهَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ مِنْهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا) .
(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ قَالَ: كَانَتْ عِنْدَ جَدِّي حِبَّانَ امْرَأَتَانِ: هَاشِمِيَّةٌ، وَأَنْصَارِيَّةٌ فَطَلَّقَ الْأَنْصَارِيَّةَ وَهِيَ تُرْضِعُ فَمَرَّتْ بِهَا سَنَةٌ ثُمَّ هَلَكَ وَلَمْ تَحِضْ فَقَالَتْ: أَنَا أَرِثُهُ لَمْ أَحِضْ فَاخْتَصَمَتَا إلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَقَضَى لَهَا بِالْمِيرَاثِ فَلَامَتْ الْهَاشِمِيَّةُ عُثْمَانَ فَقَالَ: هَذَا عَمَلُ ابْنِ عَمِّك هُوَ أَشَارَ عَلَيْنَا بِهَذَا يَعْنِي عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَالِكٌ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ شِهَابٍ يَقُولُ: إذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا، وَهُوَ مَرِيضٌ، فَإِنَّهَا تَرِثُهُ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَوْلُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ لَمَّا سَأَلَتْهُ امْرَأَتُهُ الطَّلَاقَ: إذَا حِضْت ثُمَّ طَهُرْت فَآذِنِينِي مُرَاعَاةً لِسُنَّةِ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ أَصَابَهَا فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ وَسُنَّةُ الطَّلَاقِ أَنْ يُطَلِّقَ فِي طُهْرٍ لَمْ يَمَسَّ فِيهِ وَلَا يَعْقُبُ حَيْضًا طَلَّقَ فِيهِ وَيُقَالُ: إنَّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ هِيَ تَمَاضُرُ بِنْتُ الْأَصْبَغِ أُمُّ سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَلَمْ تَبْلُغْ الْوَقْتَ الَّذِي رَسَمَهُ لَهَا حَتَّى مَرَضِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ مَرَضَهُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ فَلَمَّا آذَنَتْهُ بِذَلِكَ طَلَّقَهَا طَلَاقًا بَائِنًا إمَّا أَنَّهُ جَمَعَ الثَّلَاثَ إنْ كَانَ يَرَى إبَاحَةَ ذَلِكَ، أَوْ طَلَّقَ آخِرَ طَلْقَةٍ بَقِيَتْ لَهُ فِيهَا، وَقَدْ فَسَّرَ ذَلِكَ الرَّاوِي.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ: فَوَرَّثَهَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ مِنْهُ يَقْتَضِي أَنَّ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَرَّثَ نِسَاءَ الْمُطَلِّقِ فِي الْمَرَضِ، وَإِنْ كَانَ سَبَبُ الطَّلَاقِ مِنْ فِعْلِهِنَّ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الزَّوْجَةَ هِيَ سَأَلَتْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ الطَّلَاقَ وَرَغَّبَتْهُ، وَقَدْ وَرَّثَهَا عُثْمَانُ مَعَ ذَلِكَ، وَقَدْ جَعَلَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِعْلَ عُثْمَانَ فِي ذَلِكَ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ إمَامٌ حَكَمَ فِي قَضِيَّةِ رَجُلٍ مَشْهُورٍ أَحَدِ الْعَشَرَةِ وَمِثْلُ هَذَا يَنْتَشِرُ قَضَاؤُهُ بِهِ فِي الْأَمْصَارِ وَيُنْقَلُ إلَى الْآفَاقِ فَلَمْ يَتَحَصَّلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَا غَيْرِهِمْ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ فَثَبَتَ أَنَّهُ إجْمَاعٌ مِنْهُمْ عَلَى تَصْوِيبِهِ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ: فَوَرَّثَهَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ مِنْهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَدْ مَاتَ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا؛ لِأَنَّ وَقْتَ الْحُكْمِ لَهَا بِالْمِيرَاثِ لَا تُعْتَبَرُ فِيهِ الْعِدَّةُ، وَإِنَّمَا تُعْتَبَرُ فِي الْوَفَاةِ الَّتِي اسْتَحَقَّ بِهَا الْمِيرَاثَ، وَإِذَا كَانَتْ بَائِنًا مِنْهُ وَرَّثَهَا مَعَ ذَلِكَ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُتَوَفَّى فِي الْعِدَّةِ، أَوْ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ تَرِثُ مُطَلَّقَةً بَائِنًا مُتَوَفًّى فِي عِدَّةٍ فَحُكْمُهَا وَحُكْمُ الَّتِي قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ.
(ش) : قَوْلُهُ: فَطَلَّقَ الْأَنْصَارِيَّةَ وَهِيَ تُرْضِعُ فَتُوُفِّيَ فَانْقَضَتْ سَنَةٌ وَلَمْ تَحِضْ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْأَنْصَارِيَّةَ لَمْ تَحِضْ لِأَجْلِ الرَّضَاعِ حَتَّى تُوُفِّيَ زَوْجُهَا، وَذَلِكَ أَنَّ ارْتِفَاعَ حَيْضِ الْمُطَلَّقَةِ يَكُونُ لِسَبَبٍ مَعْرُوفٍ وَلِغَيْرِ سَبَبٍ مَعْرُوفٍ: فَأَمَّا مَا كَانَ لِسَبَبٍ مَعْرُوفٍ فَكَالرَّضَاعِ، وَالْمَرَضِ، فَإِنْ تَأَخَّرَ لِلرَّضَاعِ، فَإِنَّهَا لَا تَعْتَدُّ إلَّا بِالْأَقْرَاءِ طَالَ الْوَقْتُ، أَوْ قَصُرَ، وَقَدْ احْتَجَّ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي ذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ قَالَ: فَإِنَّ حِبَّانَ بْنَ مُنْقِذٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ تُرْضِعُ فَمَكَثَتْ نَحْوَ سَنَةٍ لَا تَحِيضُ لِأَجْلِ الرَّضَاعِ ثُمَّ مَرِضَ فَخَافَ أَنْ تَرِثَهُ إنْ مَاتَ فَخَاصَمَهَا إلَى عُثْمَانَ وَعِنْدَهُ عَلِيٌّ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فَقَالَ لَهُمَا: مَا تَرَيَانِ فَقَالَا: لَا نَرَى أَنَّهَا تَرِثُهُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْقَوَاعِدِ اللَّائِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ وَلَا مِنْ اللَّائِي يَحِضْنَ فَهِيَ عِنْدَهُ عَلَى حِيَاضِهَا مَا كَانَ لَمْ يَمْنَعْهَا إلَّا الرَّضَاعُ فَانْتَزَعَ حِبَّانُ ابْنَهُ فَلَمَّا حَاضَتْ حَيْضَتَيْنِ مَاتَ حِبَّانُ فَوَرِثَتْ مِنْهُ وَاعْتَدَّتْ عِدَّةَ الْوَفَاةِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: فَأَجْمَعُوا أَنَّ التَّأْخِيرَ بِالرَّضَاعِ لَا يُسَوِّغُ الِاعْتِدَادَ بِغَيْرِ الْحَيْضِ وَعَلَّلُوا ذَلِكَ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِمَّنْ لَمْ يَحِضْ وَلَا مِمَّنْ يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الْعَادَةَ الْمُسْتَقِرَّةُ بِأَنَّ الرَّضَاعَ يُؤَثِّرُ فِي تَأْخِيرِ الْحَيْضِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ رِيبَةً، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ رِيبَةً وَجَبَ انْتِظَارُ زَوَالِهِ، وَالِاعْتِبَارُ بِالْحَيْضِ إذْ هِيَ مِمَّنْ تَحِيضُ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ: هَذَا عَمَلُ ابْنِ عَمِّك هُوَ أَشَارَ عَلَيْنَا بِهَذَا أَرَادَ تَطْيِيبَ نَفْسِهَا بِأَنَّ مَا حَكَمَ بِهِ وَلَامَتْ عَلَيْهِ لَمْ يَحْكُمْ بِهِ إلَّا بَعْدَ مُشَاوَرَةِ الْعُلَمَاءِ، وَأَنَّ ابْنَ عَمِّهَا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ الَّذِي لَا تَشُكُّ هِيَ فِي إشْفَاقِهِ عَلَيْهَا
الصفحة 87
308