كتاب المنتقى شرح الموطإ (اسم الجزء: 4)

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَانَ يَقُولُ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ إنَّهَا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ قَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ إلَيَّ فِي ذَلِكَ)
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْغَارِبُ مِنْ الْبَعِيرِ أَسْفَلُ السَّنَامِ، وَهُوَ مَا انْحَدَرَ مِنْ الْعُنُقِ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ كَانَتْ الْعَرَبُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُطَلِّقُونَ نِسَاءَهُمْ بِهَذَا الْكَلَامِ وَمَعْنَاهُ أَمْرُكِ فِي يَدِكِ فَاصْنَعِي مَا شِئْتِ فَقَدْ انْقَطَعَ سَبَبُكِ مِنْ سَبَبِي.
(فَصْلٌ) :
وَظَاهِرُ قَوْلِ الرَّجُلِ لَوْ اسْتَحْلَفْتنِي فِي غَيْرِ هَذَا الْمَكَانِ مَا صَدَقْتُكَ يَدُلُّ عَلَى الْبَيْنُونَةِ وَانْقِطَاعِ مَا بَيْنَهُمَا لَوْ كَانَ إنَّمَا أُلْزِمَ طَلْقَةً لَهُ بَعْدَهَا رَجْعَةٌ لَكَانَ الْتِزَامُهَا أَسْهَلَ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَشْخَصَ مِنْ الْعِرَاقِ يُسْتَحْلَفُ عِنْدَ الْبَيْتِ عَمَّا أَرَادَ وَيُصَرِّحَ عَنْ نَفْسِهِ بِأَنَّهُ لَوْ اُسْتُحْلِفَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ مَا صَدَقَ.
(فَصْلٌ) :
، وَأَمَّا اسْتِحْلَافُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إيَّاهُ فَلَيْسَ عَلَى مَعْنَى اسْتِحْلَافِ مَنْ يُنَوَّى أَنَّهُ مَا أَرَادَ إلَّا وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُسْتَحْلَفُ إلَّا إذَا أَرَادَ ارْتِجَاعَهَا، إنَّمَا اسْتِحْلَافُهُ عَلَى مَعْنَى الِاسْتِحْلَافِ لِلْإِقْرَارِ بِالْحَقِّ، فَإِنْ أَقَرَّ بِهِ أَمْضَاهُ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ، وَإِنْ أَنْكَرَهُ وَحَلَفَ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يُعَرِّجْ عَلَى يَمِينِهِ وَلَا قَضَى بِهَا وَنَظَرَ إلَى مَا يَلْزَمُهُ فِي صَرِيحِ الْحَقِّ وَلِذَلِكَ لَمْ يُجَاوِبْ الْحَالِفُ بِأَنَّهُ أَرَادَ وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ، وَإِنَّمَا أَجَابَهُ بِأَنَّهُ أَرَادَ الطَّلَاقَ، وَقَدْ يَلْزَمُ الْمُفْتِيَ أَنْ يَفْعَلَ مِثْلَ هَذَا بِالْمُسْتَفْتِي فِي الْحَلَالِ، وَالْحَرَامِ أَنْ يَعِظَهُ وَيُذَكِّرَهُ وَيُعَظِّمَ عَلَيْهِ حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى وَمَحَارِمَهُ لِيَسْتَدْعِيَ بِذَلِكَ إقْرَارَهُ بِالْحَقِّ، فَإِنْ أَقَرَّ بِالْحَقِّ سَهَّلَ بِذَلِكَ عَلَيْهِ طَرِيقَ الْفَتْوَى وَكَانَ ذَلِكَ أَقْوَى لِلْمَسْأَلَةِ فِي نَفْسِهِ، وَإِنْ تَمَادَى عَلَى الْإِنْكَارِ أَفْتَى عَلَيْهِ بِمَا يُؤَدِّيهِ إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(ش) : قَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْحَرَامِ إنَّهَا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ هُوَ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَضَى بِهَا فِي عَدِيِّ بْنِ قَيْسٍ الْكِلَابِيِّ وَقَالَ لَهُ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَئِنْ مَسَسْتهَا قَبْلَ أَنْ تَتَزَوَّجَ غَيْرَكَ لَأَرْجُمَنَّكَ.
وَهَذَا الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ أَنَّهَا فِي الْمَدْخُولِ بِهَا ثَلَاثٌ نَوَى وَاحِدَةً أَوْ ثَلَاثًا، وَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَمْ يَنْوِ طَلَاقًا لَمْ يُصَدَّقْ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَكُونُ طَلَاقًا حَتَّى يَنْوِيَ الطَّلَاقَ فَيَكُونُ مِنْهُ مَا أَرَادَ مِنْ وَاحِدَةٍ أَوْ ثَلَاثٍ، وَإِنْ أَرَادَ تَحْرِيمَهَا مِنْ غَيْرِ طَلَاقٍ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَلَيْسَ بِمُولٍ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا لَفْظٌ جَرَى عُرْفُ الِاسْتِعْمَالِ لَهُ عَلَى وَجْهِ الطَّلَاقِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ طَلَاقًا أَصْلُ ذَلِكَ لَفْظُ الطَّلَاقِ وَلَا تَجِبُ بِهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ؛ لِأَنَّهُ لَفْظٌ مُفَسِّرٌ عَرَا عَنْ الْقُرْبَةِ، وَالْيَمِينِ فَلَمْ تَجِبْ بِهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ أَصْلُ ذَلِكَ لَفْظُ الطَّلَاقِ وَدَلِيلٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ هَذَا لَفْظُ طَلَاقٍ فَلَمْ تَجِبْ بِهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَأَصْلُ ذَلِكَ لَفْظُ الطَّلَاقِ.
(مَسْأَلَةٌ) :
فَإِنْ قَالَ نَوَيْت وَاحِدَةً فَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يُنَوَّى فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَيَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ: إنْ نَوَى وَاحِدَةً فَهِيَ وَاحِدَةٌ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ الْوَاحِدَةَ لَا تُحَرِّمُهَا بَلْ لَهُ ارْتِجَاعُهَا، وَإِنَّمَا تُحَرِّمُهَا الثَّلَاثُ، فَإِذَا كَانَ اللَّفْظُ الَّذِي هُوَ التَّحْرِيمُ إنَّمَا يَقْتَضِي مَعْنَى الثَّلَاثِ حُمِلَ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يُصَدَّقْ فِي قَوْلِهِ أَرَدْتُ الْوَاحِدَةَ، وَهِيَ لَا تُحَرِّمُهَا، وَذَلِكَ أَنَّ لَفْظَ التَّحْرِيمِ إنَّمَا يَقْتَضِي قَطْعَ الْعِصْمَةِ وَتَحْرِيمَ الزَّوْجِيَّةِ بَيْنَهُمَا، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا إلَّا بِالثَّلَاثِ وَلِذَلِكَ يُقَالُ فِي ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ هِيَ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ، وَهِيَ لَا تَحِلُّ لَهُ، وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا زَوْجِيَّةٌ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا رُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ فِي بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ إنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي فِي حِجْرِي لَمْ تَحِلَّ لِي إنَّهَا لَابْنَةُ أَخِي مِنْ الرَّضَاعَةِ أَرْضَعَتْنِي وَإِيَّاهَا ثُوَيْبَةُ» وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَفْظَ التَّحْرِيمِ مُقْتَضَاهُ تَحْرِيمُ الزَّوْجِيَّةِ أَوْ تَحْرِيمُ عَقْدِ النِّكَاحِ مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ قَالَ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا: إنَّ الطَّلْقَةَ الْوَاحِدَةَ تُبِينُهَا، وَالثَّلَاثَ تُحَرِّمُهَا فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَعْنَى التَّحْرِيمِ مَنْعُ عَقْدَ النِّكَاحِ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالثَّلَاثِ، وَلَوْ أَرَادَ تَحْرِيمَ

الصفحة 9