كتاب السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير (اسم الجزء: 4)

إلا الصبر على مكروهها، والصبر عن محبوبها. ولم يرض إلا أن كلفني ما كلفهم قال تعالى {فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل} وإني والله لا بدّ لي من طاعته والله لأصبرنّ كما صبروا ولأجهدنّ، ولا قوّة إلا بالله، ولما أمره الله تعالى بالصبر الذي هو من أعلى الفضائل، نهاه عن العجلة التي هي من أمهات الرذائل. فقال عز من قائل:
{ولا تستعجل لهم} أي: لا تطلب العجلة وتوجدها بأن تفعل شيئاً مما يسوءهم في غير حينه الأليق به. فإنه نازل بهم في وقته لا محالة.
قيل: إنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم ضجر من قومه، وأحب أن ينزل الله تعالى العذاب بمن أبى من قومه، فأمر بالصبر وترك الاستعجال ثم أخبر أنّ ذلك العذاب إذا نزل بهم يستقصرون مدّة لبثهم في الدنيا، حتى يحسبونها ساعة من نهار فقال تعالى: {كأنهم يوم يرون ما يوعدون} أي: من العذاب بهم في الآخرة {لم يلبثوا} أي: في الدنيا {إلا ساعة من نهار} استقصروا مدّة لبثهم في الدنيا والبرزخ كأنه ساعة من نهار، أو كأنه لم يكن لهول ما عاينوا، ولأنّ ما مضى وإن كان طويلاً صار كأنه لم يكن قال الشاعر:
*كأنّ شيئاً لم يكن إذا مضى ... كأنّ شيئاً لم يكن إذا أتى*
تنبيه: تم الكلام ههنا وقوله تعالى {بلاغ} خبر مبتدأ محذوف قدره بعضهم: تلك الساعة بلاغ لدلالة قوله تعالى {إلا ساعة من نهار} وبعضهم: هذا أي القرآن بلاغ أي تبليغ من الله تعالى إليكم وجرى عليه الجلال المحلي. {فهل} أي: لا {يهلك} أي: بالعذاب إذا نزل {إلا القوم} أي: الذين هم أهل القيام بما يحاولونه من اللدد، {الفاسقون} أي: العريقون في إدامة الخروج عن الانقياد والطاعة، وهم الكافرون. قال الزجاج: تأويله لا يهلك مع فضل الله ورحمته إلا القوم الفاسقون ولهذا قال قوم: ما في الرجاء لرحمة الله أقوى من هذه الآية. وما قاله البيضاويّ تبعاً للزمخشري: من أنه صلى الله عليه وسلم قال من قرأ سورة الأحقاف كتب الله له عشر حسنات بعدد كل رملة في الدنيا. حديث موضوع.

سورة محمد
صلى الله عليه وسلم.
مكية وتسمى القتال والذين كفروا وهي: ثمان وثلاثون آية، وخمسمائةوتسع وثلاثون كلمة، وألفان وثلثمائة وتسعة وأربعون حرفاً
{بسم الله} الملك الأعظم الذي أقام جنده للذب عن حماه {الرحمن} الذي عمت رحمته تارة بالبرهان، وتارة بالسيف واللسان {الرحيم} الذي خص حزبه بالحفظ في طريق الجنان. واختلف في قوله تعالى:

{الذين كفروا} من هم؟ فقيل: هم الذين كانوا يطعمون الجيش يوم بدر منهم أبو جهل والحارث ابنا هشام، وعقبة، وشيبة ابنا ربيعة، وغيرهم، وقيل: كفار قريش وقيل: أهل الكتاب وقيل: كل كافر لأنهم ستروا أنوار الأدلة وضلوا على علم {وصدّوا} أي: امتنعوا بأنفسهم، ومنعوا غيرهم لعراقتهم في الكفر، {عن سبيل الله} أي: الطريق الرحب المستقيم الذي شرعه الملك الأعظم، {أضلّ} أي: أبطل إبطالاً عظيماً يزيل العين والأثر، {أعمالهم} كإطعام الطعام، وصلة

الصفحة 21