كتاب السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير (اسم الجزء: 4)

خصوصاً بما ذكر في هاتين السورتين {فارغب} ، أي: اجعل رغبتك إليه خصوصاً، ولا تسأل إلا فضله متوكلاً عليه.
وقيل: تضرع إليه راغباً في الجنة راهباً من النار عصمنا الله تعالى وأحبابنا منها بمحمد صلى الله عليه وسلم وآله.
وقول البيضاوي تبعاً للزمخشريّ أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «من قرأ ألم نشرح فكأنما جاءني وأنا مغتمّ ففرج عني» حديث موضوع.

سورة التين والزيتون مكية
وقال ابن عباس رضي الله عنهما وقتادة مدنية وهي ثمان آيات وأربع وثلاثون كلمة ومائة وخمسون حرفاً.
{بسم الله} الذي له الملك كله {الرحمن} الذي وسع الخلائق عدله {الرحيم} الذي خص أولياءه بتوفيقه فظهر عليهم جوده وفضله.
وقوله تعالى: {والتين والزيتون} قسم وتقدّم نظائر ذلك أقسم بهما لأنهما عجيبتان من بين أصناف الأشجار المثمرة، روي أنه «أهدي للنبيّ صلى الله عليه وسلم طبق من تين فأكل منه، وقال لأصحابه: كلوا فلو قلت: إنّ فاكهة نزلت من الجنة لقلت هذه» لأن فاكهة الجنة بلا عجم فكلوها فإنها تقطع البواسير، وتنفع من النقرس ومرّ معاذ بن جبل بشجرة الزيتون فأخذ منها قضيباً واستاك به وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «نعم السواك الزيتون من الشجرة المباركة يطيب الفم ويذهب بالحفرة» . وسمعته يقول: «هي سواكي وسواك الأنبياء من قبلي» . وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: هو تينكم هذا الذي تأكلون وزيتونكم هذا الذي تعصرون منه الزيت. وقال عكرمة: هما جبلان من الأرض المقدّسة يقال لهما بالسريانية طور تيناً وطور زيتاً؛ لأنهما منبتا التين والزيتون.
وقيل: التين جبال ما بين حلوان وهمدان، والزيتون جبال الشام لأنها منابتهما، كأنه قيل: ومنابت التين والزيتون. وقال محمد بن كعب: التين مسجد أصحاب الكهف والزيتون مسجد إيليا. وقال الضحاك: مسجدان بالشام. وقال ابن زيد: التين مسجد دمشق، والزيتون مسجد بيت المقدس، وحسن القسم بهما لأنهما موضع الطاعة. وقيل: التين مسجد نوح عليه السلام الذي بناه على الجودي، والزيتون مسجد بيت المقدس. { {

{وطور سينين} ، أي: الجبل الذي ناجى عليه موسى عليه السلام ربه عز وجل، وسينين وسيناء اسمان للموضع الذي هو فيه فأضيف الجبل إلى المكان الذي هو فيه. وقال مقاتل والكلبيّ: سينين كل جبل فيه شجر مثمر فهو سينين وسيناء بلغة النبط ولم ينصرف سينين كما لا ينصرف سيناء لأنه جعل اسماً للبقعة أو الأرض، ولو جعل اسماً للمكان أو للمنزل، أو اسم مذكر لانصرف لأنك سميت مذكراً بمذكر وإنما أقسم بهذا الجبل لأنه بالشام وهي الأرض المقدّسة، وقد بارك فيها قال الله تعالى: {إلى المسجد القصى الذي باركنا حوله} (الإسراء: 1)
ولا يجوز أن يكون سينين نعتاً للطور لإضافته إليه.

{وهذا البلد الأمين} ، أي: الآمن، من أمن الرجل أمانة فهو أمين، وهي مكة حرسها الله تعالى؛ لأنها الحرم الذي يأمن الناس فيه في الجاهلية والإسلام، لا ينفر صيده ولا يعضد ورقه، أي: شجره، ولا تلتقط لقطته إلا لمنشد أو المأمون فيه يأمن فيه من دخله.
قال الزمخشريّ: ومعنى القسم بهذه

الصفحة 557