كتاب تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (اسم الجزء: 4)

تَعَالَى فَاحْفَظْهُ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ ادَّعَى نَسَبَ أَحَدِ التَّوْأَمَيْنِ ثَبَتَ نَسَبُهُمَا مِنْهُ) لِمَا بَيَّنَّا وَإِنَّمَا يُعْرَفُ أَنَّهُمَا تَوْأَمَانِ إذَا كَانَ بَيْنَ وِلَادَتِهِمَا أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا فَلَيْسَا بِتَوْأَمَيْنِ لِأَنَّ أَقَلَّ مُدَّةِ الْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَإِذَا أَتَتْ بِوَلَدٍ ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ آخَرَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ يُعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّهُمَا مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ إذْ لَا يُمْكِنُ عُلُوقُ الثَّانِي بَعْدَ الْوِلَادَةِ لِمَا ذَكَرْنَا وَلَا يُمْكِنُ عُلُوقُهُ وَهِيَ حُبْلَى بِالْأَوَّلِ لِأَنَّ فَمَ الرَّحِمِ مَسْدُودٌ لَا يَنْفَتِحُ وَهِيَ حُبْلَى إلَّا لِخُرُوجِ الْوَلَدِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ بَاعَ أَحَدَهُمَا فَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي بَطَلَ عِتْقُ الْمُشْتَرِي) مَعْنَاهُ إذَا بَاعَ أَحَدَ التَّوْأَمَيْنِ فَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي ثُمَّ ادَّعَى الْبَائِعُ الَّذِي لَمْ يَبِعْهُ أَنَّهُ ابْنُهُ ثَبَتَ نَسَبُهُمَا مِنْهُ وَبَطَلَ عِتْقُ الْمُشْتَرِي فِيهِ لِأَنَّ دَعْوَةَ الْبَائِعِ صَحَّتْ فِي الَّذِي لَمْ يَبِعْهُ لِمُصَادَفَتِهِ الْعُلُوقَ وَالدَّعْوَى مِلْكَهُ فِيهِ فَثَبَتَ نَسَبُهُ وَمِنْ ضَرُورَتِهِ ثُبُوتُ نَسَبِ الْآخَرِ مِنْهُ لِأَنَّهُمَا مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ فَيَلْزَمُ مِنْهُ بُطْلَانُ عِتْقِ الْمُشْتَرِي لِكَوْنِهِمَا حُرَّيْ الْأَصْلِ إذْ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا حُرَّ الْأَصْلِ وَالْآخَرُ رَقِيقًا وَهُمَا مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ فَيَكُونُ نَقْضُ الْعِتْقِ بِمَا هُوَ فَوْقَهُ وَهِيَ الْحُرِّيَّةُ الثَّابِتَةُ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْوَلَدُ وَاحِدًا حَيْثُ لَا يَبْطُلُ فِيهِ إعْتَاقُ الْمُشْتَرِي بِدَعْوَى الْبَائِعِ نَسَبَهُ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِيهِ لَوْ بَطَلَ لَبَطَلَ مَقْصُودًا لِأَجْلِ حَقِّ الدَّعْوَةِ لِلْبَائِعِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَجْهَهُ وَهُنَا تَثْبُتُ الْحُرِّيَّةُ فِي الَّذِي لَمْ يَبِعْهُ ثُمَّ يَتَعَدَّى إلَى الْآخَرِ ضِمْنًا وَتَبَعًا وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ ضِمْنًا وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ مَقْصُودًا هَذَا إذَا كَانَ أَصْلُ الْعُلُوقِ فِي مِلْكِهِ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ الْعُلُوقُ فِي مِلْكِهِ بِأَنْ اشْتَرَاهُمَا بَعْدَ الْوِلَادَةِ أَوْ اشْتَرَى أُمَّهُمَا وَهِيَ حُبْلَى بِهِمَا أَوْ بَاعَهَا فَجَاءَتْ بِهِمَا لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ فَيَثْبُتُ نَسَبُهُمَا أَيْضًا لِأَنَّهُمَا لَا يَفْتَرِقَانِ فِيهِ لِمَا ذَكَرْنَا لَكِنْ لَا يَعْتِقُ الَّذِي لَيْسَ فِي مِلْكِهِ وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي قَدْ أَعْتَقَهُ لَا يَبْطُلُ عِتْقُهُ لِأَنَّ هَذِهِ الدَّعْوَةَ دَعْوَةُ تَحْرِيرٍ لِعَدَمِ الْعُلُوقِ فِي الْمِلْكِ فَلَا يَمْلِكُهُ إلَّا مَنْ يَمْلِكُ الْإِنْشَاءَ فَلِهَذَا شَرَطَ لِنُزُولِ الْعِتْقِ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ فِي مِلْكِهِ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الْعُلُوقُ فِي مِلْكِهِ حَيْثُ يَعْتِقَانِ جَمِيعًا لِأَنَّهَا دَعْوَةُ اسْتِيلَادٍ فَتُسْتَنَدُ وَمِنْ ضَرُورَتِهِ عِتْقُهُمَا بِطَرِيقِ أَنَّهُمَا حُرَّا الْأَصْلِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ بَاعَ حُرًّا

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (صَبِيٌّ عِنْدَ رَجُلٍ فَقَالَ هُوَ ابْنُ فُلَانٍ ثُمَّ قَالَ هُوَ ابْنِي لَمْ يَكُنْ ابْنَهُ وَإِنْ جَحَدَ أَنْ يَكُونَ ابْنَهُ) مَعْنَاهُ إذَا كَانَ صَبِيٌّ عِنْدَ رَجُلٍ فَقَالَ الرَّجُلُ الَّذِي عِنْدَهُ الصَّبِيُّ هَذَا الصَّبِيُّ ابْنُ فُلَانِ الْغَائِبِ ثُمَّ قَالَ هُوَ ابْنِي لَمْ يَكُنْ ابْنَهُ أَبَدًا وَإِنْ جَحَدَ فُلَانٌ الْغَائِبُ أَنْ يَكُونَ الصَّبِيُّ ابْنَهُ وَلَا يُشْتَرَطُ لِهَذَا الْحُكْمِ أَنْ يَكُونَ الصَّبِيُّ فِي يَدِهِ وَاشْتِرَاطُهُ فِي الْكِتَابِ وَقَعَ اتِّفَاقًا وَإِنَّمَا لَا تَصِحُّ دَعْوَتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِثُبُوتِ نَسَبِهِ مِنْ الْغَيْرِ وَذَلِكَ يَمْنَعُ ثُبُوتَ نَسَبِهِ مِنْهُ بِدَعْوَتِهِ لِأَنَّ إقْرَارَهُ حُجَّةٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا تَصِحُّ دَعْوَةُ الْمُقِرِّ بَعْدَ جُحُودِ الْمُقَرِّ لَهُ أَنْ يَكُونَ ابْنَهُ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بَطَلَ بِجُحُودِ الْمُقَرِّ لَهُ فَصَارَ كَأَنْ لَمْ يُقِرَّ وَلِهَذَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ بِدَعْوَتِهِ لَوْ كَانَ عَبْدًا لَهُ وَهَذَا لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالنَّسَبِ مِمَّا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ إذْ الْإِقْرَارُ بِمَا لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ مُلْحَقٌ بِالْإِقْرَارِ بِمَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ وَلِهَذَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْهَزْلُ وَالْإِكْرَاهُ حَتَّى لَا يَصِحَّ مَعَهُمَا وَإِنْ كَانَا لَا يُؤَثِّرَانِ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ فَصَارَ كَمَا إذَا أَقَرَّ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِإِعْتَاقِ الْعَبْدِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْبَيْعِ وَكَذَّبَهُ الْبَائِعُ ثُمَّ قَالَ الْمُشْتَرِي أَنَا أَعْتَقْتُهُ فَإِنَّ الْوَلَاءَ يَتَحَوَّلُ إلَيْهِ فَكَذَا هَذَا وَلِأَنَّ إقْرَارَهُ لَهُ بِالنَّسَبِ نَفْيٌ لِلنَّسَبِ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ إنْكَارٌ لِوُجُوبِ الْحُقُوقِ عَلَيْهِ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الْإِقْرَارَ بِهِ بَعْدَهُ بِأَنْ قَالَ لَيْسَ هُوَ بِابْنِي ثُمَّ قَالَ هُوَ ابْنِي فَكَذَا هَذَا وَلِهَذَا يَصِحُّ إكْذَابُ الْمُلَاعِنِ نَفْسَهُ بَعْدَ نَفْيِ النَّسَبِ عَنْهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمَّا وَقَعَ الشَّكُّ كَانَ الْإِثْبَاتُ أَوْلَى لِمَا فِيهِ مِنْ الِاحْتِيَاطِ هَذَا حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ خُوَاهَرْزَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ. اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَنْ ادَّعَى نَسَبَ أَحَدِ التَّوْأَمَيْنِ) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ التَّوْأَمُ اسْمٌ لِلْوَلَدِ إذَا كَانَ مَعَهُ آخَرُ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ وَيُقَالُ هُمَا تَوْأَمَانِ كَمَا يُقَالُ هُمَا زَوْجَانِ وَقَوْلُهُمْ هُوَ تَوْأَمُ وَهُمَا زَوْجٌ خَطَأٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْوَلَدُ إلَخْ) مِنْ هُنَا إلَى قَوْلِهِ وَالْمَالُ مَحِلُّهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي الْمَتْنِ عَلَيَّ وَقَبْلِي إقْرَارٌ بِدَيْنٍ مَخْرُومٌ مِنْ نُسْخَةِ الشَّارِحِ اهـ
(قَوْلُهُ هَذَا إذَا كَانَ أَصْلُ الْعُلُوقِ إلَخْ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ وَإِذَا وَلَدَتْ أَمَةُ الرَّجُلِ وَلَدَيْنِ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ وَلَمْ يَكُنْ أَصْلُ الْحَبَلِ عِنْدَهُ فَبَاعَ أَحَدَهُمَا وَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي ثُمَّ ادَّعَاهُ الْبَائِعُ فَهُمَا ابْنَاهُ وَلَا يُنْتَقَضُ الْبَيْعُ وَلَا عِتْقُ الْمُشْتَرِي أَمَّا ثَبَاتُ النَّسَبِ فَلِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ نَسَبُ أَحَدِهِمَا ثَبَتَ نَسَبُ الثَّانِي ضَرُورَةَ أَنَّ أَحَدَهُمَا لَا يَقْبَلُ الْفَصْلَ عَنْ الْآخَرِ وَأَمَّا عَدَمُ انْتِقَاضِ الْبَيْعِ فَلِأَنَّهُ حَدَثَ فِي الْمَحِلِّ مَا يَمْنَعُ الِانْتِقَاضَ وَهُوَ الْحُرِّيَّةُ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ إثْبَاتُ الْحُرِّيَّةِ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ فَلَا يُنْتَقَضُ الْبَيْعُ فِيهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُمَا لَا يَفْتَرِقَانِ) فَكَانَ قَوْلُهُ هَذَا ابْنِي مَجَازًا عَنْ قَوْلِهِ هَذَا حُرٌّ وَإِعْتَاقُ أَحَدِ التَّوْأَمَيْنِ يَنْفَصِلُ عَنْ عِتْقِ الْآخَرِ فَيَقْتَصِرُ هَذَا الْعِتْقُ عَلَى مَحَلِّ وِلَايَتِهِ وَصَارَ كَأَنَّ الْبَائِعَ أَعْتَقَهُمَا فَيُعْتِقُ مَنْ فِي مِلْكِهِ فَحَسْبُ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَى أَحَدَ التَّوْأَمَيْنِ وَاشْتَرَى أَبُو الْمُشْتَرِي الْآخَرَ ثُمَّ ادَّعَى أَحَدُهُمَا نَسَبَهُ حَيْثُ يَعْتِقُ كِلَاهُمَا وَهَذِهِ دَعْوَةُ تَحْرِيرٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى مَحَلِّ وِلَايَتِهِ لِمَا أَنَّ أَحَدَهُمَا إمَّا إنْ كَانَ أَبَا الْمُشْتَرِي أَوْ ابْنَ الْمُشْتَرِي فَإِنْ كَانَ أَبَا الْمُشْتَرِي فَالِابْنُ مَلَكَ أَخَاهُ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الِابْنُ فَالْأَبُ مَلَكَ حَافِدَهُ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ كَذَا ذَكَرَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ نَقَلَهُ الشَّيْخُ الشِّلْبِيُّ مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ. اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ جَحَدَ) أَيْ الْغَائِبُ اهـ (قَوْلُهُ أَنْ يَكُونَ الصَّبِيُّ ابْنَهُ) وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الصَّبِيِّ يَكُونُ فِي يَدَيْ الرَّجُلِ قَالَ هُوَ ابْنُ عَبْدِي الْغَائِبِ ثُمَّ يَقُولُ هُوَ ابْنِي قَالَ لَا يَكُونُ ابْنَهُ أَبَدًا وَقَالَ يَعْقُوبُ وَمُحَمَّدٌ إذَا جَحَدَ الْعَبْدُ أَنْ يَكُونَ ابْنَهُ كَانَ ابْنَ الْمَوْلَى إلَى هُنَا لَفْظُ أَصْلِ الْجَامِعِ (قَوْلُهُ وَاشْتِرَاطُهُ فِي الْكِتَابِ) أَيْ بِقَوْلِهِ عِنْدَ رَجُلٍ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ إقْرَارَهُ) أَيْ بِأَنَّ هَذَا ابْنُ فُلَانٍ اهـ

الصفحة 333