كتاب تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (اسم الجزء: 4)

بِخِلَافِ مَا إذَا صَدَّقَهُ لِأَنَّهُ يَدَّعِي نَسَبًا ثَابِتًا مِنْ غَيْرِهِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُصَدِّقْهُ وَلَمْ يُكَذِّبْهُ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمُقَرِّ لَهُ عَلَى اعْتِبَارِ تَصْدِيقِهِ كَوَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ غَيْرِ الْمُلَاعِنِ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِهِ بِتَكْذِيبِ نَفْسِهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ النَّسَبَ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ وَالْإِقْرَارَ بِمِثْلِهِ لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ فَيَبْقَى فِي حَقِّ نَفْسِهِ لِأَنَّ إقْرَارَهُ حُجَّةٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ كَمَنْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ عَبْدِ الْغَيْرِ فَكَذَّبَهُ الْمَوْلَى فَإِنَّهُ يَبْقَى فِي حَقِّ الْمُقِرِّ حُرًّا وَلَا يَرْتَدُّ بِإِقْرَارِهِ حَتَّى لَوْ مَلَكَهُ يَوْمًا عَتَقَ عَلَيْهِ لِإِقْرَارِهِ بِذَلِكَ وَكَمَنْ شَهِدَ عَلَى رَجُلٍ بِنَسَبٍ صَغِيرٍ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ لِتُهْمَةٍ ثُمَّ ادَّعَاهُ الشَّاهِدُ لِنَفْسِهِ فَإِنَّ دَعْوَاهُ لَا تُقْبَلُ لِإِقْرَارِهِ بِهِ لِلْغَيْرِ وَهَذَا لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمُقَرِّ لَهُ حَتَّى لَوْ صَدَّقَهُ بَعْدَ التَّكْذِيبِ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ وَكَذَا لَوْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْوَلَدِ فَلَا يَرْتَدُّ بِرَدِّ الْمُقَرِّ لَهُ فَصَارَ كَدَعْوَاهُ قَبْلَ الرَّدِّ وَلِأَنَّ مُوجَبَ إقْرَارِهِ شَيْئَانِ ثُبُوتُ النَّسَبِ مِنْ الْغَيْرِ وَإِبْطَالُ حَقِّ نَفْسِهِ فِي الدَّعْوَةِ وَإِذَا ارْتَدَّ الْأَوَّلُ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ فَلَا يَرْتَدُّ الثَّانِي لِأَنَّ إقْرَارَهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ وَلَا يَلْزَمُ مَسْأَلَةُ الْوَلَاءِ لِأَنَّهَا عَلَى الْخِلَافِ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْوَلَاءِ وَلَئِنْ سُلِّمَ فَالنَّسَبُ أَلْزَمُ مِنْ الْوَلَاءِ فَإِنَّهُ يَقْبَلُ التَّحَوُّلَ مِنْ جَانِبِ الْأُمِّ إلَى جَانِبِ الْأَبِ عِنْدَ إعْتَاقِ الْأَبِ وَكَذَا إذَا ارْتَدَّتْ مُعْتَقَةٌ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ وَلَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ وَسُبِيَتْ وَأَعْتَقَهَا الْمَوْلَى الثَّانِي كَانَ الْوَلَاءُ لَهُ وَالنَّسَبُ لَا يَقْبَلُهُ كَمَا مَرَّ فِي وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ فَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ إذَا ادَّعَاهُ لِإِقْرَارِهِ بِهِ كَمَا إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ الثَّابِتِ نَسَبُهُ مِنْ غَيْرِهِ هُوَ ابْنِي وَهَذَا يَصْلُحُ حِيلَةً فِيمَنْ يَبِيعُ عَبْدًا أَصْلُ عُلُوقِهِ عِنْدَهُ وَيَخَافُ عَلَيْهِ الدَّعْوَةَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ الْبَائِعِ فَيَبْطُلُ دَعْوَاهُ بِنَسَبِهِ لِغَيْرِهِ مُطْلَقًا عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا بِشَرْطِ أَنْ لَا يَرُدَّ الْمُقَرُّ لَهُ النَّسَبَ بِأَنْ يَسْكُتَ أَوْ يُقِرَّ بِهِ لِمَيِّتٍ أَوْ لِغَائِبٍ لَا يُعْرَفُ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ كَانَ فِي يَدِ مُسْلِمٍ وَنَصْرَانِيٍّ فَقَالَ النَّصْرَانِيُّ ابْنِي وَقَالَ الْمُسْلِمُ عَبْدِي فَهُوَ حُرٌّ ابْنُ النَّصْرَانِيِّ) أَيْ لَوْ كَانَ الصَّبِيُّ فِي أَيْدِيهِمَا فَادَّعَى النَّصْرَانِيُّ أَنَّهُ ابْنُهُ وَالْمُسْلِمُ أَنَّهُ عَبْدُهُ وَادَّعَيَاهُ مَعًا كَانَ حُرًّا ابْنَ النَّصْرَانِيِّ لِأَنَّهُ يَنَالُ بِذَلِكَ شَرَفَ الْحُرِّيَّةِ فِي الْحَالِ وَالْإِسْلَامِ فِي الْمَآلِ إذْ دَلَائِلُ الْوَحْدَانِيَّةِ ظَاهِرَةٌ فَكَانَ فِيهِ الْجَمْعُ بَيْنَ
الْمَصْلَحَتَيْنِ
وَفِي عَكْسِهِ فَوَاتُ شَرَفِ الْحُرِّيَّةِ إذْ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى اكْتِسَابِهَا فَكَانَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَوْلَى وَلَا يُقَالُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلْمُسْلِمِ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ مُرَجَّحٌ لِأَنَّا نَقُولُ التَّرْجِيحُ يَكُونُ عِنْدَ التَّعَارُضِ وَهُوَ الِاسْتِوَاءُ وَلَا تَعَارُضَ هُنَا لِأَنَّ النَّظَرَ لَهُ فِيمَا قُلْنَا أَوْفَرُ فَانْتَفَى الِاسْتِوَاءُ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ ابْنُهُ حَيْثُ يَكُونُ الْمُسْلِمُ فِيهِ أَوْلَى لِاسْتِوَائِهِمَا فِي دَعْوَى الْبُنُوَّةِ فَيُرَجَّحُ الْمُسْلِمُ بِالْإِسْلَامِ وَهُوَ أَوْفَرُ لِلصَّبِيِّ لِحُصُولِ الْإِسْلَامِ لَهُ فِي الْحَالِ تَبَعًا لِأَبِيهِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ كَانَ صَبِيٌّ فِي يَدِ زَوْجَيْنِ فَزَعَمَ أَنَّهُ ابْنُهُ مِنْ غَيْرِهَا وَزَعَمَتْ أَنَّهُ ابْنُهَا مِنْ غَيْرِهِ فَهُوَ ابْنُهُمَا) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَقَرَّ لِلْوَلَدِ بِالنَّسَبِ وَادَّعَى مَا يُبْطِلُ حَقَّ صَاحِبِهِ فَصَحَّ إقْرَارُهُمَا لَهُ وَلَا يَبْطُلُ حَقُّ صَاحِبِهِ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ وَلَا يَتَرَجَّحُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ لِاسْتِوَاءِ أَيْدِيهِمَا فِيهِ وَقِيَامِ أَيْدِيهِمَا عَلَيْهِ وَقِيَامُ الْفِرَاشِ بَيْنَهُمَا دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى أَنَّهُ مِنْهُمَا كَثَوْبٍ فِي يَدِ رَجُلَيْنِ يَقُولُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ هَذَا الثَّوْبُ لِي وَلِفُلَانٍ آخَرَ غَيْرِك وَلَيْسَ لَك أَنْتَ فِيهِ شَيْءٌ كَانَ الثَّوْبُ بَيْنَهُمَا وَلَا يُصَدَّقُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي إبْطَالِ حَقِّ صَاحِبِهِ فِيهِ إلَّا أَنَّ الْمُقَرَّ لَهُ يُشَارِكُ الْمُقِرَّ فِي نَصِيبِهِ لِأَنَّ الْمَحِلَّ يَحْتَمِلُ الشَّرِكَةَ وَفِي النَّسَبِ لَا يُشَارِكُ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُهَا هَذَا إذَا كَانَ الصَّبِيُّ لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ يُعَبِّرُ فَالْقَوْلُ لَهُ أَيُّهُمَا صَدَقَ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَدَتْ مُشْتَرَاتُهُ فَاسْتُحِقَّتْ غَرِمَ الْأَبُ قِيمَةَ الْوَلَدِ وَهُوَ حُرٌّ) يَعْنِي لَوْ اشْتَرَى أَمَةً فَوَلَدَتْ مِنْهُ ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا مُسْتَحِقٌّ ضَمِنَ الْمُشْتَرِي قِيمَةَ الْوَلَدِ وَالْوَلَدُ حُرٌّ وَكَذَا إذَا مَلَكَهَا بِسَبَبٍ آخَرَ غَيْرِ الشِّرَاءِ أَيِّ سَبَبٍ كَانَ وَكَذَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ فَوَلَدَتْ لَهُ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي النِّكَاحِ وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ النَّسَبَ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالنَّسَبِ مِنْ الْغَيْرِ إقْرَارٌ بِمَا لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ فَلَا يَصِحُّ دَعْوَةُ الْمُقِرِّ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا قُلْنَا أَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ لِأَنَّ فِي زَعْمِ الْمُقِرِّ أَنَّهُ ثَابِتُ النَّسَبِ مِنْ الْغَيْرِ وَالنَّسَبُ إذَا ثَبَتَ لَا يُنْتَقَضُ بِالْجُحُودِ وَالتَّكْذِيبِ وَلِهَذَا لَوْ عَادَ الْمُقَرُّ لَهُ إلَى تَصْدِيقِهِ جَازَ وَثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهُ وَصَارَ كَاَلَّذِي لَمْ يُصَدِّقْهُ وَلَمْ يُكَذِّبْهُ اهـ

(قَوْلُهُ وَادَّعَيَاهُ مَعًا) وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ دَعْوَةَ الْمُسْلِمِ لَوْ سَبَقَتْ يَكُونُ عَبْدًا لِلْمُسْلِمِ اهـ مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ مُرَجِّحٌ) بِكَسْرِ الْجِيمِ. اهـ. (قَوْلُهُ حَيْثُ يَكُونُ الْمُسْلِمُ فِيهِ أَوْلَى) وَهَذَا عِنْدَنَا وَقَالَ زُفَرُ يَسْتَوِيَانِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُحَكَّمُ الْقَائِفُ كَذَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْزَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ كَانَ صَبِيٌّ فِي يَدِ زَوْجَيْنِ إلَخْ) قَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ التَّنَاقُضُ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ دَعْوَى النَّسَبِ حَتَّى لَوْ قَالَ رَجُلٌ هُوَ ابْنِي مِنْك مِنْ زِنًا وَقَالَتْ مِنْ نِكَاحٍ ثُمَّ قَالَ الرَّجُلُ مِنْ نِكَاحٍ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ فَلَوْ قَالَتْ ابْنِي مِنْك مِنْ نِكَاحٍ وَقَالَ مِنْ زِنًا لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ مِنْهُمَا لِعَدَمِ اتِّفَاقِهِمَا فِي النِّكَاحِ فَلَوْ قَالَتْ بَعْدَ ذَلِكَ ابْنِي مِنْك مِنْ نِكَاحٍ ثَبَتَ لِمَا قُلْنَا اهـ مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ يُعَبِّرُ) أَيْ وَلَيْسَ هُنَاكَ رِقٌّ ظَاهِرٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَدَتْ مُشْتَرَاتُهُ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَلَدَتْ وَلَدًا عِنْدَهُ فَاسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ غَرِمَ الْأَبُ قِيمَةَ الْوَلَدِ يَوْمَ يُخَاصَمُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَيْ قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ وَصُورَتُهَا فِيهِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ جَارِيَةً فَوَطِئَهَا فَوَلَدَتْ لَهُ وَلَدًا ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ قَالَ يَغْرَمُ الْأَبُ لِلْمَوْلَى قِيمَةَ الْوَلَدِ يَوْمَ تَخَاصَمَ إنْ جَاءَ وَالْوَلَدُ حَيٌّ وَإِنْ جَاءَ وَالْوَلَدُ قَدْ مَاتَ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُشْتَرِي فَإِنْ جَاءَ وَقَدْ مَاتَ الْوَلَدُ وَتَرَك عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمَ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْأَبِ وَإِنْ قُتِلَ الْوَلَدُ فَأَخَذَ الْوَالِدُ دِيَتَهُ فَعَلَى الْأَبِ قِيمَتُهُ إلَى هُنَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ

الصفحة 334