كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 4)

نشرتها في «الرسالة». مضى على نشرها الآن نحو خمسين سنة ولكنها لا تزال تنفع كل طالب يريد أن يذهب للدراسة في باريس أو لندن أو أميركا، من شاء أن يقرأها كاملة فإنه يجدها في مجلة الرسالة في عدد الثالث من شوال سنة 1356هـ (¬1)، أنقل هنا فقرات منها ليستفيد منها بعض الشباب. ممّا قلت فيها:
يا أخي إنك تمشي إلى بلد مسحور (والعوذ بالله)، الذاهب إليه لا يؤوب، إلاّ أن يؤوب مخلوقاً جديداً وإنساناً آخر غير الذي ذهب؛ يتبدّل دماغه الذي في رأسه وقلبه الذي في صدره ولسانه الذي في فيه، وقد يتبدّل أولاده الذين هم في ظهره إذا حملهم في بطن أنثى جاء بها من هناك.
إي والله يا أخي، هذه حال أكثر من رأينا وعرفنا، إلاّ من عصم ربك. يذهبون أبناءَنا وإخوانَنا وأحباءنا، ويعودون عُداةً لنا دعاة لعدوّنا، جنداً لحربنا وعوناً لمستعمري بلادنا. لا أعني الاستعمار العسكري، فهو هيّن ليّن، ثم إننا قد شفينا منه بحمد الله أو كدنا. وإنما أعني استعمار الرؤوس بالعِلم الزائف، والقلوب بالفنّ الداعر، والألسنة باللغة الأخرى، وما يتبع ذلك من الأرتستات والسينمات وتلك الطامّات من المخدّرات والخمر وهاتيك الشرور.
فانتبه لنفسك واستعِن بالله، فإنك ستُقْدم على قوم لا يبالي أكثرهم العفاف ولا يحفل العرض، بل ليس في لغاتهم كلها كلمة
¬__________
(¬1) وهي في كتاب «صور وخواطر» (مجاهد).

الصفحة 109