كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 4)

بمعنى العرض كما نفهم نحن معناه. سترى النساء في الطرقات والسُّوح والمعابر يعرضن أنفسهن عرض السلعة، قد أذلّتهن مدنية الغرب وأفسدتهن وهبطت بهن إلى الحضيض، فلا يأكلن خبزهن إلاّ مغموساً بدم الشرف. وأنت لا تعرف من النساء إلاّ أهلك: مخدَّرات مَصونات كالدرّ المكنون، شأن نساء الشرق المسلم، حيث المرأة عزيزة مكرّمة محجوبة مُخدَّرة، مَلِكة في بيتها، ليست من تلك الحِطّة والمذلّة في شيء. فإياك أن تفتنك امرأة منهم عن عفّتك ودينك، أو يذهب بلبك جمالٌ لها مزوّر أو ظاهر خدّاع. هي والله الحيّة: ملمس ناعم، وجلد لامع، ونقش بارع، ولكن في أنيابها السم ... إياك والسم.
إن الله قد وضع في الإنسان هذه الشهوة وهذا الميل وجعل له من نفسه عدواً لحكمة أرادها، ولكنه أعطاه حصناً حصيناً يعتصم به وسلاحاً متيناً يدرأ به عن نفسه، فتحصّن بحصن الدين وجرّد سلاح العقل تَنْجُ من الأذى كله. واعلم أن الله جعل مع الفضيلة مكافأة: صحّة الجسم وطيب الذكر وراحة البال، ووضع في الرذيلة عقابها: ضعف الجسد وسوء القالة وتعب الفكر، ومن وراء ذلك الجنّة أو جهنّم. فإن عرضَت لك امرأة بزينتها وزخرفها فراقب الله وحكّم العقل، واذكر الأسرة والجدود. لا تنظر إلى ظاهرها البرّاق بل انظر إلى نفسها المظلمة القذرة، أتشرب من إناء ولغت فيه الكلاب؟
يا أخي، إن في باريس كل شيء: فيها الفسوق كله ولكن فيها العلم، فإن أنت عكفت على سماع المحاضرات وزيارة المكتبات وجدت من لذّة العقل ما ترى معه لذّة الجسم صفراً

الصفحة 110