كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 4)

مرّة ثانية إلى الذروة، فيها الشدّة التي لا تعرف اليأس والطموح الذي لا يدنو من الطمع، والذي كانت نهاية نكباته تدمير معرض له في بيروت قرب المرفأ خسر فيه عشرة ملايين ليرة لبنانية (¬1).
ومنهم أنور العش، وهو رجل عالم عامل دائب، واجه معركة الحياة قبل أن يستكمل عدّة مواجهتها وقبل أن يتقلّد السلاح لها. وقد أصدر أنور هذا وهو طالب -بإشراف مني- مجلّة «رسالة الطالب»، وأصدر كتاباً سجّل فيه ما نشرَته الصحف سنة 1936، من بداية المجالدة والمجاهدة إلى الوصول إلى المعاهدة، وسَمّيته له «طريق الحرّية». وقد كان عندي فضاع، وسألته عنه فلم أجد عنده نسخة منه! وكذلك تُنسى مواقف نضالنا وتواريخ فعالنا، ولو أنها دُوّنت لكان منها كتاب من كتب الأمجاد عظيم.
كنت كما كان الملأ من أصحابي وإخواني: منير العجلاني وصبري القباني ومدحة البيطار ومسلم البارودي وشفيق سليمان ومحمود البيروتي، كنّا جميعاً نشتغل مع «الكتلة الوطنية» التي كانت هي قائدة النضال للاستقلال. فلما كانت المعاهدة ودخل رجال منها الحكم بدّلَت الكراسيُّ بعضَ هؤلاء الرجال، فخابوا في الحكم بمقدار ما نجحوا في النضال.
¬__________
(¬1) سبقت الإشارة إليه في الحلقة الرابعة والتسعين من هذه الذكريات. وأحسب أنه هو الذي بنى جدّي على قصته مقالة «بين الوظيفة والتجارة» المنشورة في كتاب «فصول اجتماعية»، فمن شاء أن يقرأها مفصَّلة وجدها هناك (مجاهد).

الصفحة 117