كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 4)

وقبل ذلك بقليل كان صديقنا الجليل الأستاذ عبد الرزاق السنهوري (الذي عملت معه أنا والأستاذ نهاد القاسم في بعض اللجان القانونية رحمه الله ورحم القاسم) كان قد صعد كما صعدت حتّى صار على سطح الطاق، فلم يعُد يستطيع النزول ولم تصل السلالم إليه، واهتمّت الحكومة به فجاؤوا بطيارة أدلوا منها سلّماً من الحبال، وجعلَت تحوم فوقه وتدنو منه ليتمسّك بالحبل فلا يستطيع، ومرّت ساعة طويلة، والناس مزدحمون على الأرض ينظرون، حتّى أمسك بالحبل فسحبوه إلى الطيارة. ثم وكلوا مَن يمنع الناس من صعود الجدار.
هذا الذي قلته هو الهيكل العظمي لزيارتنا للإيوان، فمن أراده مكسواً باللحم والشحم، لابساً ثيابه متحلياً بحليته، وجد ذلك في مقالتي في «الرسالة» في العدد الصادر يوم 12 ذي القعدة 1355هـ (¬1).
* * *
ولم تكن في العراق في تلك الأيام (1936 - 1937) جامعة، إنما كان فيها مدرسة المعلّمين العالية، وكانت يومئذ في طور التأسيس لم يتمّ إنشاؤها ولم تكتمل فروعها. وهذا النوع من المدارس موجود في فرنسا، فمنه المدرسة المركزية للهندسة (إيكول سنترال) ومدرسة «البوليتكنيك» للفنون الهندسية العسكرية، وكانت شهادة إحداها أعلى رتبة من الإجازة
¬__________
(¬1) وهي مقالة «على إيوان كسرى» المنشورة في كتاب «بغداد» (مجاهد).

الصفحة 18