كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 4)

(الليسانس)، أو هكذا كانت على عهدي بها.
درّست في دار المعلّمين هذه مع عملي في الثانوية المركزية ودار العلوم الشرعية، وكان من أساتذتها الصديق الدكتور كامل عيّاد، وهو والدكتور منير العجلاني والدكتور جميل صليبا وقبلهما الدكتور نجيب الأرمنازي من أوائل الذين حملوا شهادة الدكتوراة في سوريا، أي قبل أكثر من خمسين سنة.
ولست أكتب الآن للحديث عن دار المعلّمين، ولكن عن سفرة قصيرة المدى على الأرض عميقة الأثر في النفس، وجدت بين أوراقي مقالة عنها. لا أنقل لكم المقالة فهي في مجلّة «الرسالة» عدد يوم الإثنين الثامن صفر 1356، فمن كان عنده مجموعة من «الرسالة» استطاع أن يقرأها (¬1). ولكن آخذ فقرات منها فأضعها خلال كتابتي الآن عنها. والحقيقة واحدة فيما نشرتُه في المقالة وما أكتبه الآن، كالبنت في ثياب التفضّل (أي ثياب الدار) هي البنت نفسها في ثياب استقبال الضيوف. ألا تلبس لضيوفها أجمل أثوابها وتأخذ أفضل زينتها؟ بلى، وإن كانت لا تبدّل جسدها ولا طولها ولا لون عينيها ولا شكل أنفها وشفتيها. كذلك الكاتب، يُلبِس الحقيقة من غلائل الخيال ومن أردية البيان ما يجمّلها به ويحسّنها، ولكن لا يبدّلها. فإن ازداد التزويق ووصل «الماكياج» إلى الحدّ الذي يكاد يُخفي حقيقتها (فلا يبدو منها إلاّ قناع التجمّل التي قنّعوها به، ولا تكاد تُعرَف إلاّ بقامتها ومشيتها وحركاتها، يستدلّ بها الناظر عليها ولا يتأكد منها ويُكمِل بتخيّله
¬__________
(¬1) وهي مقالة «سُرّ مَن رأى» المنشورة في كتاب «بغداد» (مجاهد).

الصفحة 19