كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 4)

فاللهمّ أمِتْنا على الإيمان. ربّ تَوَفّني مسلماً وألحقني بالصالحين، وإن لم أكن منهم.
والذي نقّب عن «سُرّ مَن رأى» وكشفها للناس هو هرسفلد الألماني الذي حفر فيها سنة 1911 طول السنة وبعض 1912 بإشارة من أستاذه سار. أفليس من أعجب العجب أن آثارنا لم يبحث عنها ولم يكتشفها لنا إلاّ غرباء عنّا؟ إن في جوار دمشق قريتين هما مَعْلولا وجَبَعْدين؛ هاتان القريتان وحدهما دون أهل الأرض جميعاً تتكلمان اللغة السريانية، واللغة السريانية لهجة من اللغة الآرامية. فما فكّر أحد منّا في درس هذه اللغة ومعرفتها حتّى جاء مستشرق شابّ من آخر الدنيا، من ألمانيا، اسمه رايخ ليدرسها!
أما إن هذه الآثار لو كانت لغيرنا لحًرثت هذه البقاع حرثاً، ثم أُخرجت كنوزها فملأت نفوسَ أهلها عِزّة بماضيهم، ثم كانت لهم أجنحةً يطيرون بها في معارج العلاء في مستقبلهم.
إن تحت هذه الأرض عِلْماً ومجداً وجلالاً، ولكن ليس فوقها مَن يحفل العلم والمجد والجلال.
* * *
سرنا إلى «سُرّ مَن رأى» في قافلة من كبار طلاّب دار المعلّمين العالية في بغداد، ومعهم الدكتور كامل عياد وأنا، فجزنا بالأعظمية وعبرنا النهر إلى الكاظمية، ثم استقبلنا الفضاء. رأينا على طريقنا جسراً قائماً وحده في الفلاة ذا قناطر ثلاث، عليه كتابة ظاهرة تدلّ على أنه بُني في أواخر العهد العباسي على نهر دُجَيل

الصفحة 22