كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 4)

المدرّسين الذين نالهم أذى هذا المفتّش، اجتمعنا في جريدته التي سَمّاها «الانقلاب» وتكلّمنا في أمر هذا المفتّش، وبثّ كلّ من إخوانه ما لقي منه وعرض الخُطّة التي يراها للردّ عليه والنيل منه. فقلت للجواهري: أنا أكتب قصّة آتيك بها غداً، وأعدك أنها ستطيره من العراق (وكان السفر بالطيارة قليلاً في تلك الأيام) فهل تنشرها كما هي؟ قال: نعم، أنشرها.
فكتبتها وحملتها إليه، ونُشرت كما هي في عدد 19 من ذي الحجة سنة 1355هـ. وأنا أُقِرّ الآن (بعد تسع وأربعين سنة) أني ظلمته فيها وأني أسأت إليه، وأن القصّة التي كتبتها كانت هجاءً لا نقداً وكانت للتشفّي والانتقام لا للإصلاح. وغضب وطار إلى مصر، وغضب معه كثير من إخواننا المدرّسين المصريين، وإن لم أمسّهم بشيء فيما قلت وما كان كلامي إلاّ عليه وحده، ولكنهم غضبوا معه. وبقي نفر منهم على مودّتي لم يشاركوهم غضبهم، وكان من هؤلاء أخي وصديقي عبد المنعم خلاّف، وكان منهم الأستاذ الكبير سفير مصر (أو وزيرها المفوض) عبدالرحمن عزّام، الذي اتصل الودّ بيني وبينه على ما بيننا من فارق السنّ والمنزلة والمقام، وكنت أشهد مجالسه وأستفيد منه، فهو من أعرف العرب اليوم بعرب اليوم، وهو مفكّر عميق الفكر، بيِّنٌ رفيع البيان، جاهد الطليان في طرابلس الغرب (ليبيا) (¬1) قبل الحرب، وحسبكم أن من كتبه كتاب «بطل الأبطال»، وهو أجود مختصَر أعرفه في شمائل الرسول عليه الصلاة والسلام.
* * *
¬__________
(¬1) كان أسلافنا يدعونها «لوبية».

الصفحة 34