كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 4)

وأنا من القديم مبتلى بالأرق وطول السهر، لذلك أنام شطر نومي بعد صلاة الفجر، ولذلك أجعل حصصي ومواعيد أعمالي ما استطعت بعد الساعة العاشرة.
فجئت المدرسة في موعدي ولم أعلم بما كان قبل وصولي. والذي كان أن الوزارة -إرضاء للإخوة المصريين ولأنها وجدت في قصتي التي كتبتها جملة فيها مسّ بالعراق، حين قلت إنه عرض شهادته على جامعات الشرق والغرب فأبتها ولم تقبلها إلاّ العراق- فأصدرت الوزارة قراراً بإنهاء عقدي وتسفيري. وبعثت به إلى المدرسة وأنا لا أدري، وعلم به إخواننا أنور وغيره وسمع به الطلاّب.
وأراد أنور أن يجزيني بما كنت فعلته في مكتب عنبر قديماً سنة 1929 يوم قرروا طرده أسبوعاً، وقد تقدّم خبر ذلك في هذه الذكريات، فوقف مني موقفاً مثله: موقفاً بموقف ويوماً بيوم. فأثار الطلاّب وذهب إلى الأستاذ الأثري (وكان هو ملجأنا عند كلّ ضيق ومَفْزعنا عند كل مُلمّة)، فانتصر لي بإخلاصه المعروف وحماسته وعلوّ منزلته في وزارة المعارف. ثم ذهب أنور إلى الشيخ طه الراوي (وكان يعمل مع الشيخ رضا الشبيبي، رئيس مجلس الأعيان) فكلّمه في أمري، فألقى الشيخ الشبيبي والشيخ الأثري بثقلهما كله في كفّتي، فاجتمع شفاعة هؤلاء الكبار وثورة الطلاّب الذين تركوا دروسهم وأنا في بيتي لا أدري، ومشوا إلى وزارة المعارف وهي إلى جوار المدرسة فاحتلّوها يهتفون ويصيحون، يريدون بقائي وإلغاء هذا القرار. وأوشكَت أن تكون فتنة، فألقى عليهم الرجل الفاضل مدير المعارف العامّ (أي وكيل الوزارة)

الصفحة 35