كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 4)

الأستاذ الأثري هو الذي كان يحامي عني، في هذه النازلة وفي كل نازلة ألمّت بي في العراق. وهو الذي جاء بي إلى العراق، فجزاه الله خيراً ومدّ الله في حياته.
أمّا المقالة فهي الآن أمامي وقد اصفرّ ورق العدد الذي نُشرت فيه. قرأتها فوجدت أنها تُعتبَر بالميزان الأدبي قطعة نفيسة، قصّة فيها وصف وفيها تحليل نفسي وفيها سخرية تلسع لسع الزنابير، ولكن فيها بميزان الدين ظُلماً للرجل، فلقد عرفت عند سفري إلى مصر (بعد ذلك بسنين) أنه رجل فاضل وأن له مؤلفات.
وأنا أعترف بعد هذا الأمد الطويل أنني ظلمته بهذه القصّة المختلَقة المؤذية، فإن كان حياً فاسألوه أن يسامحني وله الفضل عليّ، وإن كان قد توفّاه الله فأنا أسأل الله له الرحمة وأسأل الله لنفسي المغفرة.
* * *
انطفأ الحريق ظاهراً ولكن بقيَت النار تعجّ وسط الأنقاض؛ سكتوا عني وتركوني، ولكن المساعي الخفيّة لبثَت تُبذَل لإقصائي وإلغاء عقدي. ونجحَت أخيراً، ولكن لا بإخراجي من العراق بل بنقلي من بغداد إلى البصرة.
وما كرهت النقل إليها، بل لعلّي سُررت به؛ فأنا أعرف البصرة من قبل أن أراها، فلماذا لا أراها بعد أن عرفتها؟ إن في نفسي الكثير الكثير من أخبارها، ممّا حصلته من مطالعاتي وممّا قرأته في المدرسة، منذ أُنشئت على عهد عمر العبقري. وفي

الصفحة 37