كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 4)

لي فيه من صلات، وما أخذت منه من ذِكَر، وما خلّفت فيه من عواطف، كأنه كتاب أقرأ فيه فصلاً من قصّة حياتي. ولمّا وقفت على تمثال الملك فيصل (ابن الحسين) ذكرت شيئاً كنت نسيت أن أضعه في موضعه من هذه الذكريات، هو أنه لمّا مات فيصل كانت في الشام رنّة حزن لموته عبّر عنها كلٌّ بأسلوبه وكُتبت فيها مقالات.
وكنت في بداية عهدي بالكتابة والنشر. وأراد ناس منّا أن يلبسوا ثوباً ما خيط على مقاس أجسادهم، وأن يأكلوا طعاماً لا يصلح لمعدهم وأمعائهم ولا يوافق أمزجتهم ... تقليداً للإفرنج، تقليد الضعيف للقوي. فسعوا لإقامة تمثال له في دمشق، البلد المسلم الذي ما عرف التماثيل، والذي لم يُنصَب فيه (إلى الآن بحمد الله) إلاّ تمثالان أُقيما في ليلة مظلمة نام فيها العلماء الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر (¬1).
وكانت الجمعيات الإسلامية جديدة في دمشق (وقد مرّ بكم خبرها في هذه الذكريات)، وكانت لجمعية الهداية الإسلامية منشورات، ولم نكن نحتاج في طبع منشور أو نشر رسالة أو كتاب إلى إذن من أحد، بل نأخذ ما نكتبه رأساً إلى المطبعة فنطبعه. فكتبت منشوراً عنوانه «لا تماثيل في الإسلام» وطبعَته ووزّعَته جمعية الهداية الإسلامية، تاريخه غرّة جمادى الآخرة سنة 1352 (أي قبل اثنتين وخمسين سنة) بإمضاء «علي الطنطاوي، ليسانس في الحقوق». ممّا قلت فيه (وهو الآن بيدي):
¬__________
(¬1) ما أظنهما بقيا تمثالين فقط، فحسبنا الله ونعم الوكيل (مجاهد).

الصفحة 39