كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 4)

وهل يُعوِز فيصلاً الخلود حتّى تخلّدوه بهذه الأحجار الصمّ وهذه الصخور الباردة؟ أليس باقياً في القلوب وفي التاريخ؟ ألم يخلد من قبله عُمَر وصلاح الدين ولا صور لهم ولا تماثيل؟ فلا تحيدوا عن نهج سلفكم الصالح، ولا تحسبوا أن هذه البلاد العربية المسلمة ترضى أن يُبنى فيها ما بُعث محمدٌ لتهديمه، وأن يأتي في آخر الدهر من يُطفئ النور الذي أضاءه محمد عليه الصلاة والسلام في أوله. لا والله لا يكون ذلك أبداً. ثم هل ضاقت بكم مذاهب التكريم ولم تجدوا مأثرة تخلّدون بها ذكرى فيصل وتنفعون بها هذه الأمة؟ ألا تفتحون مدرسة تبثّ الصالح من مبادئه وتخلّد ذكراه؟ ألا تشيّدون باسمه مستشفى؟ ألا تنشئون باسمه ملجأ أو مصنعاً؟ أغَفِلتم عن ذلك كله ولم تجدوا إلاّ هذه الأحجار الصمّ تمحقون بها مالكم وتؤذون بها المسلمين في دينهم؟
ألا إنّ نصب التماثيل حرام في دين محمد عليه الصلاة والسلام، وإن تبدل الزمن وتغيرت الدنيا. ودينُ محمد ثابت بقرآنه وبهدي نبيّه الذي لا ينطق عن الهوى ... (إلى أن قلت): فيا أيها الملأ، أقلعوا عن هذه الفكرة. وإذا لم يكن بدٌّ من تقليد الغربيين واتّباعهم إلى «جحر الضبّ»، فليكن ذلك مع غير فيصل المسلم وفي غير دمشق حصن الإسلام، والسلام (¬1).
* * *
¬__________
(¬1) انظر أيضاً مقالة «لا نريد تماثيل» في كتاب «مقالات في كلمات: الجزء الثاني» (مجاهد).

الصفحة 40