كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 4)

لا «فيها» كما يقولون، لأن المستشفى مذكر) طبيب من الشام اسمه الدكتور حسن السعدي، فأعطاني بعض المهدّئات. وعندي إلى الآن بضعة أقراص من هذه المهدّئات، وهي الكاردينال (من عيار غرام كامل)، لو أخذها المعمل الذي صنعها فحلّلها لعلم ماذا صنعت خمسون سنة مرّت بتركيبها الكيميائي. ثم ما زالوا يُنقِصون مقدارها حتّى صار القرص بعُشر غرام (100 ملّيغرام) ثم أُلغيت واستُحدثت أدوية جديدة.
ولم أستفِد منه ولم أنم. فأخذوني إلى طبيب إنكليزي أحسب أنه داواني بالوهم، فأعطاني قرصاً واحداً، أي حبّة بيضاء. ولا أدري كيف أدخل في نفسي القناعة أن مَن أخذها نام بعد خمس دقائق ولم يُفِق إلاّ بعد سبع ساعات، وأوصاني ألاّ آخذها إلاّ عند الحاجة الشديدة. فوضعتها إلى جانب فراشي وانتظرت وقت الحاجة الشديدة لآخذها، فنمت وهي إلى جانبي. وبقيَت معي حتّى تركت البصرة! فكانت لي كدَخينة (أي سيجارة) بسمارك.
* * *
رأيت البصرة لمّا جئتها مدناً ثلاثاً صغاراً، بينها كما يقول علماء المعاني من البلاغيّين: شبه كمال الاتصال أو شبه كمال الانفصال؛ فلا هي مدن مستقلّة ولا هي أحياء مدينة واحدة. وهي: ماركيل والعشار والبصرة.
أمّا «ماركيل» الذي سُمّي باسمه حيّ المحطّة فهو مَعقل ابن يسار رضي الله عنه، مسخ اسمَه الإنكليزُ بلسانهم المعْوَجّ فصار معقل ماركيل! وأمّا العشار فلا أعرف من أين جاءت هذه التسمية. وكنت

الصفحة 48