كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 4)

أسمع أن البصرة القديمة التي قرأنا أخبارها وروينا تاريخها هي الزُّبَير، ولست أذكر الآن كم تبعد الزّبير عن البصرة: عشرين أم خمسة وعشرين كيلاً؟ وكنت أمشي مثل هذه المسافة ذهاباً وإياباً بسهولة، فأخذت بضعة طلاّب وذهبنا إليها مشياً على الأقدام.
ولست أذكر منها إلاّ قبر الزبَير رضي الله عنه. وأكثر أهل الزبَير من نجد، وهم سلفيون حملوا إليها هذه السلفية التي دعا فيها الشيخ محمد بن عبد الوهاب (مجدِّد الإسلام في القرن الثاني عشر بلا نزاع) إلى العودة إلى التوحيد الخالص. ومَن عرفت منهم كان يتردّد في إقامته وفي عمله بين الزبَير والعشار (في البصرة). ولقد أخذني أخي الداعية إلى الله الشيخ محمد محمود الصواف في زيارتي الثانية للبصرة سنة 1954 إلى جماعة من أفاضلهم، منهم الحاجّ عبد الله أبا الخيل وهو والد معالي الوزير السابق الشيخ عبدالرحمن، ولست أعلم ما صلته بمعالي وزير المالية الآن.
وقد كان عندنا في المدرسة اثنان هما أصلح وأتقى من عرفت من الطلاّب في البصرة في تلك الأيام، هما سعود العقيل وأخوه، وأظنّ أن اسم أخيه محمد، وهما من الزّبَير. ولست أعرف ما خبرهما بعد تلك السنة، وأسأل الله أن يوفّقهما ويوفّق كلّ من نشأ أو ينشأ مثلهما في طاعة الله. ووجدت في الزبَير أثراً للأستاذ تقي الدين الهلالي (مدّ الله في عمره) وبقايا من تلاميذه.
ولمّا عدنا بلغ منّا التعب والعطش، حتّى إني لمّا دخلت البصرة لم أعُد أستطيع الصبر، فطلبنا ماءً فلم نجد لأن رجوعنا كان في الليل والطريق كان خالياً وليس فيه سوق ولا دكاكين،

الصفحة 49