كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 4)

وأرجو ألاّ تنسبوني إلى الجحود وإلى قلّة الوفاء إن قلت لكم إني نسيت اسمه. وما أنسانيهُ إلاّ الشيطان، وبُعد العهد، وكِبَر السنّ. ولكني لا أزال أذكر كرمه وفضله.
* * *
أنا ما زرت البندقية (فينيسيا) ولكن قرأت عنها وسمعت قصيدة «المهندس» فيها (¬1) التي غنّاها محمد عبد الوهاب.
طرق البندقية ماء وسياراتها الزوارق، وكذلك البصرة. وقريب منها أمستردام، وقد ذهبت إليها مرتين. وكلمة «دام» التي تنتهي بها أسماء مدن هولندا أو أكثرها معناها السدّ، لأن هولندا هي الأراضي المنخفضة، فهم يقيمون السدود ويسرقون الأرض من البحر. كما أن كلمة «بادن» التي تُختَم بها أسماء كثير من مدن ألمانيا معناها حَمّام، أي نبع معدني حارّ.
بين العشار والبصرة شارع إلى جنبه ممرّ مائي، فمن شاء ركب السيارة في البَرّ ومن شاء ركب الزورق في الماء. وبساتين النخيل في مدينة أبي الخصيب التي لا يُحصى عددها، لكل منها نهر صغير، أي مجرى ماء، يأتي من شطّ العرب. لا يجري ماؤها كالأنهار، بل يتحرك بالمدّ والجزر كمياه البحار. وكنت أعجب عندما أقرأ في الكتب أنه كان في البصرة عشرون ألف نهر وأقول:
¬__________
(¬1) قصيدة «الجندول» للشاعر علي محمود طه، أما لقب «المهندس» فقد جاءه لأنه تخرج في مدرسة الهندسة التطبيقية. وقد كانت هذه القصيدة سبب شهرته (مجاهد).

الصفحة 51