كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 4)

أو يرتكب الفواحش، أو ينظم فيها الأشعار (¬1)؟ ثم إن من يموت على الكفر يكون يوم القيامة دون الحمار.
* * *
من سافر اليوم من دمشق إلى بيروت لم يجد هذه المنعطفات، فقد أُزيلَت وسُوّي الطريق، ولكن جاء ما هو شرٌ منها: منعطف قد يعطف طريق المسافر إلى القبر!
ما كنّا نحتاج في السفر إلى إذن ولا رخصة ولا نقف على الطريق لتفتيش متاع وختم أوراق، فصار هذا كله. ويا ليت هذا الذي صار يعود إلى ما كان عليه فهو أهون ممّا انتهينا إليه: أهون من أن نقف وقفة لا نمشي بعدها أبداً، أو أن تختم حياة الواحد منّا بدلاً من أن تختم أوراقه.
كان السفر من دمشق إلى بيروت سنة 1937 لولا هذه «الأكواع»، أي المنعطفات، كان لولاها نزهة ومتعة: أوله وادٍ أنيق دقيق، عرفتُ الدنيا فما عرفت أجمل منه، هو وادي الرَّبْوة إلى الشاذِرْوان. عرض الوادي كعرض الطريق وبردى وسكة القطار، لا يزيد عليها. وآخره وادٍ من أعظم الأودية وأوسعها وأجملها، هو وادي صُوفَرْ-حَمّانة الذي لا يدرك بصرُك قراره، وقد نُثرت القرى على جانبَيه كما نُثرت على العروس الدنانير، ترى أضواءها في الليل كأنها النجوم في سماء صافية الأديم.
¬__________
(¬1) فيُعَدّ بذلك من كبار الشعراء ويصير له أتباع مقلّدون، وتُكتَب فيه مباحث ودراسات كما كتب هو «قصّته مع الشعر».

الصفحة 58