كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 4)

إلى صور فامتدّ سلطانها إلى أكثر سواحل البحر الأبيض المتوسط وأقامت مستعمرة لها في قرطاجَنّة، ناطحَتْ روما لما كانت روما في عزّ مجدها وظهر منها أحد أبطال التاريخ القديم «هاني بعل» (هانيبال) الذي صنع ما لم يصنعه أحد قبله ولم يصنعه بعده إلاّ نابليون تقليداً له، هو أنه صعد بجيشه الثقيل جبال الألب ثم انقضّ على روما من فوق.
* * *
كان لُبّ بيروت لمّا جئتها في ساحة البرج: في أعلاها بِرْكة جميلة كبيرة بعدها حدائق في وسط الشارع، وفي أسفلها السراي الصغير، تمرّ منها خطوط الترام كلها. وكان في بيروت ثلاثة خطوط للترام مُدَّت سنة 1906، تمشي فيها من أولها إلى آخرها ثم تجتمع كلها مارّة من ساحة البرج. الخطّ الأول يصل إلى «الدّورة» عند نهر بيروت، والخطّ الثاني، وهو أطولها، يمتدّ من «فرن الشبّاك» (الذي يستقبل القادم من الشام) إلى المنارة في رأس بيروت، والخطّ الثالث هو الذي يجتاز البَسطة أدناها وأعلاها (ويسمّونها البسطة التَّحْتا والبسطة الفَوْقا) إلى الحرج.
فإذا بلغتَ أسفل ساحة البرج وسرت إلى اليسار وجدت المسجد الكبير المسمّى بالمسجد العمريّ، الذي كان كنيسة فصار مسجداً:
كنيسةٌ صارَتْ إلى مسجِدِ ... هديةُ السيّدِ للسيّدِ
يعني شوقي بالسيد الأول المسيح، وبالسيد الثاني سيّد ولد آدم محمد، عليهما من الله الصلاة والسلام. وأمام المسجد شارع

الصفحة 60