كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 4)

يمتدّ إلى البحر وفي آخره على اليمين مسجد جديد، يقابله فندق الأهرام الذي ينزله «الشوام»، صاحبه الحاجّ أحمد المغربي الذي يعرفه كلّ شامي كان يزور بيروت: ينام عنده ويأكل من طبخه، وهو أحسن رجل يجيد الطبخ الشامي هناك. كنّا نحس في فندقه كأننا في بيوتنا، وإن نسينا ذكّرنا قرعُ القَباقيب على بلاطه وخَبط الأباريق في حَمّاماته! وكنّا نجد فيه جوّ المسجد، فإذا دخل وقت الصلاة أذّن مؤذّن فيه ومُدَّت البُسُط وأقيمَت الصلاة جماعة.
وكان بينه وبين الشارع سلّم فيه مئة درجة، ولم يكن فيه مصعد. وما كنّا قد عرفنا المصاعد في دمشق إلى ذلك اليوم وإن كان في بيروت قليل منها، وأول مصعد رُكّب في دمشق هو الذي في عمارة كَسْم وقَبّاني وراء المجلس النيابي.
والغريب أن المشايخ الكبار كانوا يصعدون إليه لا يجدون من ذلك بداً. وكنت إن جئت بيروت بأهلي (ولم أكن سنة 1937 قد تزوّجتُ؛ ما كان معي ما أتزوّج به وأنا على أبواب الثلاثين من العمر!) كنت أُنزِلهم في شبه دار على سطح الفندق: غرفتان هَرِمتان قديمتان أمامهما السطح كله، يلعب فيه مَن معنا من الصغار وتتكشّف فيه النساء فلا يراهن أحد، لأن مِن حولنا سوراً يحيط بنا فيحجبنا إلاّ من جهة نطلّ منها إذا أردنا، ولأن له باباً كنّا نغلقه علينا.
ومن العجائب أني جئت بيروت مرّة فوجدت السطح مؤجَّراً، فأخذنا غرفتين في «فندق ريجنس»، وهو أغلى أجرة وأعلى مرتبة. فما استرحت فيهما، فجئت ففاوضت مستأجر

الصفحة 61