كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 4)

السطح ليبادلني بهما عليه. وقبل متعجّباً مني، وجعل ينظر إليّ كما ينظر ابن المدينة إلى الفلاّح الذي فكر أن يبيعه ميدان العتبة الخضراء! إذ كيف أدع غرفتين في فندق كان يُعَدّ من الفنادق الكبار لآخذ غرفتين عتيقتين على سطح عمارة قديمة؟ ما علم أنني آخذ حرّيتي التي افتقدتها في الفندق وكنت أجدها على السطح.
كان فندق الأهرام وقهوة الحاجّ داود ملتقى الشاميين في بيروت؛ إن ضاع منك واحد منهم وجدتَه في أحدهما. وكانت القهوة على أعمدة من الصخر في طرف البحر، فكان يحسّ مَن فيها كأنه في مركب قديم، تضربه الأمواج فتتكسّر عليه. ولم يكن في الفندق خمر ولا شيء ممّا حرّم الله، ولم يكن من ذلك شيء في قهوة الحاجّ داود. وكان يقابل القهوةَ أخرى مثلها اسمها قهوة البحرين، ثم ينكشف البحر للماشي في الشارع حتّى يصل إلى الفندق الكبير الوحيد في تلك الأيام، فندق سان جورج، وبعده ملاهٍ نمرّ عليها في النهار وهي مغلَقة الأبواب ولا نعرف ماذا يكون فيها في الليل. هذه هي الزيتونة المشهورة.
* * *
بتنا في الفندق، ولمّا أصبحنا صحبني الشيخ صلاح إلى الكلّية، فركبنا الخط الأول إلى آخره لمقابلة المفتي الشيخ توفيق خالد رحمه الله، وكان هو رئيس الكلّية وكان الرئيس الأعلى (رسمياً) للمسلمين. وكان القاضي هو الشيخ مصطفى الغلاييني صاحب الكتب المشهورة في النحو والصرف، وكان أمين الفتوى أستاذنا القديم الشيخ عبد الرحمن سلام.

الصفحة 62