كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 4)

أمّا مدير الكلّية فهو الرجل الفاضل الذي طوّق عنقي بمكارمه وأثقل ظهري بأياديه عليّ، والذي كان لي أخاً كبيراً وكان يوليني من العطف والحبّ أكثر ممّا يولي امرؤ أخاه. ولقد كنت أتمنّى أن أجدد العهد برؤيته، ولكن أبلغني الأستاذ القباني مدير الأوقاف، وقد زارني في مكّة، أنه تُوفّي من قريب. رحمة الله عليه وجزاه الله عني خيراً (¬1).
وكان ممّن أذكر من الأساتذة الشيخ محمد العربي العزوزي، الذي صار أمين الفتوى بعد الشيخ سلام، وله كتاب عمّن عرف من الرجال في بيروت ذكرني فيه فأثنى عليّ ثناء لا أستطيع أن أنقله، ووصفني بصفات ونسب إليّ مزايا لا أستحقّ معشارها، لذلك أُعرِض خجلاً عن نقل ما قاله، وأسأل الله له الرحمة والغفران (¬2).
لمّا وصلت الكلّية وجدتها في بناءَين في آخر البسطة على يسار الصاعد من البلد، أولاهما للتدريس والثانية للطلاّب:
¬__________
(¬1) سها الشيخ فلم يذكر اسم هذا المدير هنا، وقد عاد فذكر اسمه في أول الحلقة الآتية (مجاهد).
(¬2) اسم كتابه «إتحاف ذوي العناية»، ومما قاله فيه (صفحة 51): "ومنهم زميلي في التعليم في الكلية الشرعية في بيروت الأديب الماهر والكاتب العظيم ذو القلم السيّال والعلم الغزير والذكاء المفرط واللسان اللَّسِن، الأستاذ الشيخ علي الطنطاوي. عاشرته ما يقرب من السنتين فحمدت عشرته، وذاكرته فوجدته منهلاً عذباً لوارده، ما فاوضته في علم إلا وجدته ذا اطلاع واسع. ولقد كان يزورني في بيتي ويسمر معي ويتحفني بطُرَفه وأدبه وغرائب نوادره. ما رأيت من جمع بين الأدب والشريعة مثله" (مجاهد).

الصفحة 63