كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 4)

عبيّه. ومن شاء ارتياد المصايف التي هي أقرب إلى راحة الأسرة المسلمة قصد مصايف طرابلس الشام، وأشهرها سير، ومن أراد تابع سيره إلى الأرْز عن طريق بشرّي، بلد جبران خليل جبران، الذي أعطى العرب أدباً كثيراً جميلاً دفعَت ثمنه من عبقرية لسانها العربي الأصيل ومن خلقها الشريف النبيل. خذوا مثالاً قصّته «الأجنحة المتكسرة»، إنها توضع في رفّ بول وفرجيني، وأتالا، ورافائيل، وروميو وجولييت، على اختلاف الأساليب. بل إنها من أشدّ القصص العاطفية إثارة للمشاعر، ولكنها تهدم الروابط الزوجية وتنال من شرف الأسرة، وهي التي ردّ عليها المنفلوطي في نظرة من نظراته.
وإن كان في لبنان (والحق يقال) من بؤر الفساد مثل ما فيها أو أضعاف ما فيها من المدارس والكلّيات، وحسبكم أنه كان وراء الصف المطلّ على ساحة البرج من العمارات عمارات أخرى على شوارع فرعية واسعة، على كل عمارة لوحات فيها أسماء أنثيات. غلطت مرّة فدخلت في تلك الشوارع مع أهلي وبناتي (بعد أن تزوجت ورُزقت البنات) فسألتني إحداهن: ما هذه اللوحات؟ فتنبّهت وارتبكت، ثم قلت لها: إنها أسماء خياطات وبيّاعات ... واستدرت راجعاً!
ولقد دخلت -من بعد- أكثرَ من عشرين مدينة من مدن أوربّا، فما كنت أرى في الشوارع ما كنت أراه وأنا أمشي في شوارع بيروت؛ أماكن البغاء في وسط البلد! أما ما وراء الجدران فلا شأن لمثلي به ولا وصول لي إليه، لا في أوربّا ولا في لبنان.

الصفحة 73