كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 4)

وما في الدنيا بلد يخلو ولا بلد خلا تماماً من الفواحش، ولكن في الخفاء، لا يُكشَف عنه الغطاء ولا يخلع أهلُه قناعَ الحياء.
وهذا قديم في بيروت، ومن رجع إلى عدد «الرسالة» الذي صدر يوم السادس من شعبان سنة 1356هـ (11 أكتوبر سنة 1937) قرأ فيها مقالة لي عن رحلتنا إلى صوفر لاستقبال أمير البيان، الأمير شكيب أرسلان، لمّا عاد إلى الشام بعد نفيه الطويل في أوربّا. عاد لمّا كانت المعاهدة، وسيأتي حديثها. إنه يجد في آخر المقالة هذه الفقرة:
ولمّا دخلنا الفندق (أي في صوفر): عمامتان عاليتان على رأس البهجتين، بهجة العراق وبهجة الشام (أي الأثري والبيطار) وعقال نجدي على هامة سيد من سادة نجد هو الشيخ ياسين الروّاف، ونحن اثنان مُطَرْبَشان (أي اللّذان يلبسان الطربوش) الأستاذ عز الدين التنوخي وأنا.
لمّا دخلنا تعلّقَت بنا الأنظار ودارت حولنا الأبصار، وخفّ بنا شباب يسلّمون علينا فقلنا: وعليكم السلام يا إخواننا. فما راعنا إلاّ أنهم ضحكوا وضحك الحاضرون، فقلت لأحدهم: قُل لي، لماذا تضحك؟ هل تجد في هيئتي ما يضحك؟ فازداد الخبيث ضحكاً. فهممت به، فوثب الحاضرون وقالوا: ياللعجب، أتضرب فتاة؟
وإذا الذين حسبناهم شباناً فتيات بسراويل (بنطلونات) وحلل (بذلات)! فسرنا ونحن مستحيون نحاول ألاّ نعيدها كرّة أخرى. ولمّا خرجت في الليل لمحت في طريقي واحدة من هؤلاء

الصفحة 74