كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 4)

النسوة فحيّتنا، فقلت لها: مساء الخير مدموزيل. قالت: مدموزيل إيه يا وقح؟ فقلت في نفسي: إنها متزوجة وقد ساءها أني دعوتها بالمدموزيل (الآنسة)، وأسرعت فتداركت الخطأ وقلت: بردون مدام. قالت: مدام في عينك يا قليل الأدب، بأي حقّ تمزح معي؟ أنا فلان المحامي!
فقلت: عفواً بردون. وولّيت هارباً، وذهبت إلى صاحب الفندق فرجوته أن يعمل لنا طريقة للتفريق بين الرجل والمرأة، فدهش مني ووجم لحظة، ثم قدّر أني أمزح فانطلق ضاحكاً. قلت: إنني لا أمزح ولكني أقول الجدّ ... وقصصت عليه القصّة.
قال: وماذا نعمل؟ قلت: لوحات صغيرة مثلاً من النحاس أو من الفضّة، توضع على الصدر يكتب عليها «رجل» أو «امرأة»، تُعلَّق تحت الثدي الأيسر في مكان القلب. أو تُتخَذ حلية من الذهب أو الفضّة عليها صورة ديك مثلاً أو دجاجة، أو شاة أو خروف، أو شيء من علامات التذكير والتأنيث ... وراقه اقتراحي وقبله على أنه نكتة، ولم يفكّر بالعمل به لأنه لم يجد حاجة إلى هذا التفريق ما دام المذهب الجديد يقول بمساواة الجنسَين (¬1).
* * *
تلك بيروت الأمس، أما بيروت اليوم وأمّا الجبل ... فأنا أسأل الله له الفرج؛ فلقد ورد أن بني إسرائيل لمّا رأوا انحراف ناس منهم وضلالهم وعظوهم ونصحوهم، ثم تركوهم وأقرّوهم
¬__________
(¬1) هذا جزء من المقالة، ومن أحبّ قراءتها كاملة فهي في آخر كتاب «مع الناس»، مقالة «إلى لبنان» (مجاهد).

الصفحة 75