كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 4)

وآكلوهم وشارَبوهم، فلما جاء العذاب عمّهم جميعاً.
وما أشمت بما حلّ ببيروت وبلبنان. أيمكن أن أشمت ببلدي وبإخوتي؟ ولكنه قانون الله. إنه شديد العقاب، ولكنه واسع المغفرة. فتَح باب التوبة فما يغلقه حتّى تقوم القيامة، القيامة العامّة، أو القيامة الفردية حين يحضر الواحدَ الموتُ.
فإن أردتم كشف هذه الغُمّة عنكم فاطلبوه (اطلبوا الكشف) من ربكم، لا من أميركا ولا من روسيا. إنهم بشر مثلكم لا يقدرون على نفع ولا ضرر إلاّ بإذن الله. وهذا كلام حقّ ولكنهم لا يقبلونه؛ إنهم يستثقلونه ويصدّون عنه، فماذا نصنع إذا كان كلامنا لا يُسمَع؟
* * *
أمضيت أكثر العام (عام 1937) في بيروت في أهنأ عيش، أدرّس لطلاّب أذكياء يحبّون الأدب ويُقبِلون عليه. وكنت ساكناً معهم أُمضي أكثر وقتي في صحبتهم، وإن خرجت خرجت غالباً معهم، وكنت سعيداً بصحبة الأساتذة الزملاء، وكنّا نُمضي عشيّات عند الشيخ العزوزي العربي في داره نأكل «الكسكسي»، وهو من أشهى الأطعمة التي عرفها الناس، ونشرب بعده الشاي الأخضر، راح المسلمين.
كنّا نختلف ولكن لا نتعادى، ونتناقش حتّى تعلو الأصوات وتتقارع الحُجَج، فمَن سمعنا ظنّ أنه ما بعد هذا إلاّ سل السكاكين، ثم نخرج متصافين متحابّين.

الصفحة 76