كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 4)

في وزارة المعارف، ومرشد خاطر، وهو نصراني عالِم أديب. فلم أجد القباني فذهبت إليه، فتلقّاني ببشاشة الرجل المهذّب وكلمني كلام الأديب للأديب، وأشعرني بالثقة به والاطمئنان إليه. والطبيب يداوي بشخصه وأسلوبه قبل أن يداوي بعلمه وطِبّه. وأعطاني حقنة في الجلد أظنّ أن اسمها كان «بروبيدون» وقال إنها تسكّن ولا تشفي.
واسترحتُ، ولكنني اضطُررت بعد حين إلى إجراء العملية الجراحية بيد الدكتور شارل في المستشفى الفرنسي في القصّاع؛ إذ كنت أسكن في آخر الحيّ الإسلامي، مسجد القصب، الذي يجاور هذا الحيّ المسيحي، القصّاع. وأخذت أوسع غرفة مشرقة، واشترطت عليهم أن يزورني من شاء متى يشاء، وكان في هذه الغرفة مدخل شبه خاصّ يفضي إلى الشارع. وكانت الممرضة بنتاً لطيفة حلوة، ما كان لي من حلاوتها وجمالها إلاّ ما كان يغنّي به محمد عبد الوهاب عن القمر قديماً: «حظّنا منّه النظرْ، والنظرْ راحْ يِرْضي مينْ؟».
أرضاني أنا، لا لأن نفسي تقتنع به بل لأنها لا تستطيع الوصول إلى أكثر منه. ولولا نشأتي الإسلامية القوية ولولا حفظ الله لي (وله الحمد عليه) لكان لي معها أكثر من النظر ومن الحديث، فقد كانت جميلة لطيفة وكنت شاباً قوياً، وإن لم أكن جميلاً فلست قبيحاً، وأحسب أني لو فتحت لها الطريق لالتقينا على ما لا يرضي الله. فيا ليت القائمين على المستشفيات يضعون في أقسام الرجال ممرّضين بدلاً من الممرّضات.

الصفحة 79