كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 4)

غبيّة نادرة في الغباء. فأعطتني ما أمر به الطبيب من المسكّنات فما أفاد، فجاءت بشيء في يدها وقالت: خذ هذا فقبِّله باحترام وضَعْه على موطن الألم. قلت: ما هذا؟ قالت: إنه الصليب. فنظرت إليه فإذا عليه صورة إنسان، فتغابيت وتجاهلت وقلت: من هذا؟ قالت: هذا يسوع ابن الربّ (تعالى الله عما يقولون)! قلت: ابن ربّ يُصلَب! ومن صلبه؟ قالت: اليهود، ألم تسمع بذلك؟ قلت: لا، مع أنني أقرأ الجرائد كلّ يوم، فما نُشر خبره فيها. قالت: إن هذا شيء قديم، حتّى إن جدة أبي سمعته من الكبار ولم تعرف متى كان. قلت: وكيف صلبوه؟ وهل تعرفين المعري؟ قالت: ما أعرفه ولكن أعرف أين بيته. قلت: بيت من؟ قالت: بيت الأمعري، لأنه كان على طريقي. قلت: ويحك، المعرّي لا الأمعري! المعرّي يقول:
ليتَ شِعري وليتَني كنت أدري ... ساعةَ الصلبِ: أينَ كانَ أبوهُ؟
قالت: كان مسافراً في الهند ومات على الطريق. قلت: ومن الذي كان في الهند؟ قالت: أبوه. قلت: أبو من؟ قالت: أبو الأمعري! فقلت لها: اذهبي من وجهي ولا تعودي إليّ، لقد زدتِني بغبائك مرضاً على مرضي. قالت: أنا غبيّة، أنا كنت أذكى تلميذة في المدرسة. قلت: أيّ مدرسة هذه التي كنتِ أنتِ أذكى تلميذاتها؟ قالت: مدرسة الراهبات.
* * *
كم تقدّم الطبّ الجراحي من تلك الأيام إلى الآن؛ كانت العملية عملية قطع الزائدة، فأبقوني ممدداً على ظهري نحواً من

الصفحة 81